بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
رجح تقرير صحفي انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة إلى ما دون الـ20 في المئة، وفيما سلط الضوء ما وصفه بإخفاق معظم الأحزاب العراقية في عرض برامج إصلاحية، أشار إلى لجوء بعضها للحملات الطائفية عبر بعض ممثليها وأعضاء في مجلس النواب.
التقرير نشرته صحيفة العربي الجديد، بعنوان (انتخابات العراق 2025: خطاب الطوائف والمكونات يهيمن على الأحزاب).
نص التقرير:
أخفقت معظم أحزاب العراق في عرض برامج إصلاحية وسياسية أو خدمية واقتصادية خلال الأسبوعين الماضيين، بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية استعدادا للانتخابات المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بل أطلقت بعض الأحزاب حملات طائفية واسعة عبر ممثليها الحزبيين وبعض أعضاء مجلس النواب، ولم يتورع بعض قادتها من التنابز المذهبي والطائفي في حالة لكسب استعطاف العراقيين الذين لا يبدو أكثرهم منسجماً مع هذه الحملات. وتفيد المؤشرات بأن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة ستكون الأقل، وقد لا تصل إلى 20% في أحسن الأحوال.
ويثير تصاعد الخطاب الطائفي في الحملات الدعائية لأحزاب السلطة في العراق، المخاوف من تأثيراته وانعكاساته المجتمعية، وسط تأكيد أن ذلك مرده إلى تراجع شعبية تلك الأحزاب. ومع التطورات التي تشهدها الساحة السياسية في العراق واتساع دائرة المقاطعة للانتخابات، تندفع الأحزاب إلى الشحن الطائفي أداةً مجانية في محاولة للتأثير على الناخبين الذين تثبت مراكز بحثية واستطلاعات أنهم لا ينوون المشاركة لشعورهم باليأس من الحالة السياسية غير المتجددة.
وشهد الوضع السياسي تنابزاً مبكراً بالحديث الطائفي، بدأ بتعليقات صدرت عن رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم “حزب الدعوة” نوري المالكي، تحدث فيها عن مشروع تشكيل الإقليم الشيعي، كونه بحسب زعمه “ضمان” من التغيرات التي تحصل في المنطقة وتحديداً عقب التغيير الذي حصل في سورية وسقوط نظام بشار الأسد. عقب ذلك ردّ رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، بمصطلحات لا تقل طائفية عن المالكي، مذكراً بأن دجلة والفرات يمران من مناطق شمال وغرب العراق، ذات الغالبية السنية، زاعماً أن “الأحزاب الشيعية إذا توجهت نحو الأقلمة فإن الإقليم السني قد يتحقق”. وترددت التعليقات الطائفية عقب ذلك من نواب وسياسيين وسط تنديد بصمت القضاء العراقي والادعاء العام وهيئة الإعلام على هذا الخطاب الطائفي، الذي يُفترض أنه ممنوع وفقا للقانون.
“استحقاق المكون”، و”اختلال التوازن”، و”المكون الأكبر”، و”المكونات العراقية”، و”السواد الأعظم”، و”المظلومية”.. تعبيرات تبرز في الخطابات المتلفزة والبيانات والمؤتمرات الانتخابية، وعادة ما تختفي لحوالي عام بعد تشكيل كل حكومة حتى تظهر المشاكل السياسية وتعود مرة أخرى للظهور. وتتردد هذه التعبيرات على ألسنة قادة الأحزاب والصف الأول في العملية السياسية ثم تنسحب إلى النواب وأعضاء الأحزاب وصولاً إلى المحللين والباحثين وحتى الصحافيين العاملين في المكاتب الإعلامية للأحزاب والفصائل المسلحة. ولا ذكر لبرامج إصلاحية سياسية أو وجهات نظر ومشاريع للأحزاب حال فوزها، حتى بات هذا ديدن الأحزاب التقليدية والدينية تحديداً، فيما تعلو شعارات محاسبة الفاسدين والقتلة عند الأحزاب المدنية والليبرالية من دون ذكر البرامج الإصلاحية التي يأمل الناس في سماعها.
سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، قال لـ”العربي الجديد”، إن “الطائفية هي شعارات مجانية تستخدمها الأحزاب قبل كل انتخابات وأثناء توزيع المناصب من أجل ابتزاز السلطة والتلاعب بمشاعر العراقيين لتحقيق مصالح وغايات ومكاسب، مع العلم أن القانون يحاسب على الحديث الطائفي”، مضيفاً “لم نشهد أي برامج سياسية وتنموية، بل شهدنا تهديدات وتوعداً للخصوم، لكن الشعب العراقي في حالة وعي غير مسبوقة ولا تنطلي عليه الأحاديث الطائفية ولا ينجر خلفها”.
وأضاف فهمي أن “المراهنة على جر العراقيين إلى الحديث والصراع الطائفي، رهان خاسر لأن العراقيين يبحثون عن حياة كريمة للجميع ولا ينوون الخوض في تفاصيل جانبية، وهم يبحثون عن هوية وطنية جامعية يعيشون في مساحتها”.
وقال “كان على الأحزاب الدينية وغيرها أن توجه خطابات جادة في تحسين أوضاع الناس ومحاسبة المقصرين وعدم منح الفرص للتجاوز على السيادة الوطنية والسياسية، لكنها عاودت اللجوء إلى التنمر الطائفي لأنها بلا برامج حقيقية تخدم الناس، لذلك من واجب الناخبين اختيار من يمثلهم في البرلمان على أسس البرامج الحقيقية وعدم القبول بغير ذلك”.
وسبق أن دعا رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، وهو من العرب السنة، إلى تشريع قانون يجرم الطائفية في العراق”، لكنه ذاته ردد بعض هذه العبارات قبل أيام أيضا. وذكر أن “الطائفية التي عانيناها لسنوات مضت كما مضى الإرهاب وسيمضي الفساد، لكن ما تبقى من تلك الآثار بدأ يظهر مجدداً في أحاديث الإعلام التقليدي، ويُروج له عبر الذباب الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نقض مظلومية قديمة بظلم جديد، أو مظلومية جديدة بظلم تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائلاً إن الطائفة توازي الأرض والقومية والتاريخ”.
من جهته، أشار الصحافي العراقي ذو الفقار الشريفي إلى أن “الأحزاب العراقية تفكر بمكتسبات السلطة وكيفية الوصول إليها، دون التفكير بتقديم برامج سياسية واقتصادية بقدر سعيها لكسب أصوات انتخابية… وغايتها تبرر الوسيلة، من شراء الذمم ومقايضة المحتاجين وغيرها”. وأضاف لـ”العربي الجديد”، أن “عودة تصدير الخطاب الطائفي لا يهدف للدفاع عن المكونات قدر اللعب على أوتار الخوف من المكون الآخر، وهذه الحملات الإعلامية الطائفية ربما تؤثر في الطبقات البسيطة من المجتمع خصوصاً أن بعض النخب المجتمعية انجرت خلفها”.
من جانبه، قال الباحث والخبير بالشأن السياسي العراقي إياد الدليمي في حديث لـ”العربي الجديد” إن “الطائفية أخذت هذا الموسم طابعاً أكثر فجاجة حيث تسعى الأحزاب الحاكمة المهيمنة على تركيبة البرلمان العراقي أن تستفيد منها في ظل التداعيات الإقليمية وما تشهده المنطقة من متغيرات، سواء على صعيد العمليات العسكرية المستمرة من الكيان الإسرائيلي ضد ما يعرف بمحور المقاومة، أو حتى على صعيد المتغيرات التي جرت في سورية وتغيير النظام فيها”.
ورجح الدليمي أن “تشهد الانتخابات أداءً يستفيد بقوة من ملف الطائفية بما يخدم مصالح أحزاب بعينها، وهذا ما يجب أن ينتبه له العراقيون الذين نجحوا في تجاوز هذا الملف من خلال التعايش المشترك رغم كل ما تبثه وسائل إعلام ومدونون على مواقع التواصل الاجتماعي محاولين استعادة هذه النغمة المشروخة التي ملّ وسئم جداً منها العراقيون”.
لايوجد تعليق