تقرير تحليلي: 7 مؤثرات تجعل الانتخابات النيابية المقبلة مختلفة عن سابقاتها

10

بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية

حدد تقرير تحليلي، 7 مؤثرات من شأنها أن تجعل الانتخابات النيابية المقبلة مختلفة عن سابقاتها، فيما قارن بين الاستحاق المقبل، والاستحقاقات الماضية منذ تغيير النظام في العام 2003.

التقرير نشرته مؤسسة نيريج، بعنوان (انتخابات عراقية غير تقليدية: ما الذي يجعل 2025 مختلفة؟)

نص التقرير:

بعد مرور عقدين على أول انتخابات في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي وزوال صدام حسين، يجد العراقيون أنفسهم على موعدٍ جديد مع صناديق الاقتراع في 11 تشرين الثاني المقبل. وبينما تشهد البلاد استقراراً أمنياً غير مسبوق-قياسا بفترات الانتخابات السابقات-، إلّا أن هذه الانتخابات ستجري في خضم تعقيداتٍ إقليمية فريدة وتشابكات سياسية بين المكونات والأحزاب.

وفي عالم سريع التغير، يصعب التنبؤ بما تحمله الأيام، لكن يمكن استشراف ملامح انتخابات 2025 من خلال مقارنة 7 عناصر بين الانخابات القادمة والاستحقاقات الخمسة السابقة:

بينما شهدت الجولات الانتخابية السابقة حملات مقاطعة شرسة، وعزوفاً شعبيا تدريجيا عن المشاركة، تراجعت الأصوات الداعية لمقاطعة الانتخابات هذه المرة.

  • المزاج العام: بين المشاركة والمقاطعة

لا تكاد تخلو أي انتخابات عراقية من دعواتٍ للمقاطعة من هذا الطرف أو ذاك، كما تتراجع نسب المشاركة باضطراد انتخاباتٍ بعد أخرى، ممّا يعكس فقدان ثقة المواطن بالعملية السياسية وجدواها، مقابل مشاركة جمهور الأحزاب للحفاظ على مكتسباتهم.

في انتخابات الجمعية الوطنية -المجلس المؤقت- في كانون الثاني 2005، بلغت المقاطعة السُنية ذروتها، إذ حصلت قائمة غازي الياور على 1.78٪ فقط، وسجلت محافظة الأنبار مشاركة لا تتجاوز 2٪. ورغم أن النسبة العامة بلغت 58.32٪، فإن التصويت في الخارج اقتصر على 280 ألف ناخب، أي 23.5٪ فقط من العراقيين المقيمين في 14 دولة.

رغم النتائج الكارثية لانتخابات 2005 التأسيسية وما تمخّض عنها من كتابة الدستور ومقاطعة السُنة لاحقًا للاستفتاء الدستوري، استمرت دعوات المقاطعة بوتيرة أخف. ففي انتخابات كانون الأول من العام نفسه، قاطعها السُنّة مجددًا، إلى جانب تيارات شيعية وقوى قومية ويسارية أخرى. في ذلك الوقت، أكد وزير الخارجية هوشيار زيباري أن الانتخابات ستحظى باعترافٍ دولي في حال مشاركة 6-7 مليون عراقي (من أصل 14 مليون ناخب). ورغم ذلك، بلغت نسبة المشاركة 79.63٪، وهي الأعلى حتى اليوم.

في انتخابات آذار 2010، لوّحت القوى السُنية بالمقاطعة لكنها شاركت في النهاية، لتتراجع نسبة التصويت إلى 62.4٪. ومع تصاعد التوتر والتظاهرات السُنية في 2012 المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ورفض تولي نوري المالكي ولاية ثالثة، وبعد انفجار الوضع الأمني بسيطرة تنظيم الدولة داعش على مدن ومساحات شاسعة من العراق، انخفضت المشاركة مجددًا في انتخابات نيسان 2014 إلى 60٪.

بعد هزيمة تنظيم داعش في 2017، أُجريت الانتخابات في أيار 2018 بنسبة مشاركة لم تتجاوز 44.52٪، وسط شكاوى من تهميش النازحين من العرب السُنة والأيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة. وتراجعت النسبة أكثر في انتخابات تشرين الأول 2021 إلى 41.05٪، وهي الأدنى منذ الغزو الأمريكي.

ورغم تلويح التيار الصدري والحزب الشيوعي والأحزاب التي انبثقت من احتجاجات تشرين2019 بالمقاطعة، شارك التيار الصدري في انتخابات 2021 وحصد 73 مقعدًا من أصل 329، قبل أن ينسحب من العملية السياسية في حزيران 2022 ويستقيل نوابه بالكامل، في خطوة عكست تماسكاً نادراً يميّزه عن باقي الأحزاب.

في أواخر آذار 2025، ورغم تكراره ضرورة تحديث البيانات الانتخابية، نهى مقتدى الصدر، زعيم التيار الوطني الشيعي “التيار الصدري سابقاً”، أنصاره عن الترشح والتصويت، وقال لأحد أتباعه: “ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا همّ لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب.”

وبخلاف موقف التيار، الذي يبقى باب العودة للمشاركة مفتوحاً أمامه، تغيب دعوات المقاطعة لانتخابات هذا العام. لكن العزوف عن المشاركة مسألة أخرى، حيث أعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق عدم تحديث ثمانية ملايين ناخب لبياناتهم الانتخابية حتى مايو، مما يعكس إمكانية ضعف المشاركة في الانتخابات المقبلة. حيث بيّن حازم الرديني، نائب رئيس المركز غير الحكومي، أن عدد الناخبين الكلي بلغ 29 مليوناً بعد إضافة مواليد عامي 2005 و2006 و2007، بينما لم يتجاوز عدد المسجلين بايومترياً حتى الآن 21 مليون ناخب.

اصطبغت الحياة العامة العراقية بعد 2003 بالخطابات الطائفية وذلك بسبب الانقسام الحاد التي شهدته النخبة السياسية الجديدة والعنف المسلّح الذي سرعان ما تحول حرباً طائفية دامية وتغليب المصالح الفئوية والشخصية على المصلحة العامة.

  • الخطاب الجماهيري: الاستقطاب الطائفي والوطني

كما هو الحال في كثير من دول العالم، تتحول الانتخابات في العراق إلى سباق هوياتي، يتأثر بالانقسامات العرقية والمذهبية والمناطقية والسياسية، وتُحدد اختيارات الناخبين غالباً باعتبارات الانتماء أو المكاسب السياسية، مثل الدولة الكردية، الإقليم السُني، العفو العام، قانون الأحوال الجعفري أو التخويف من عودة البعث.

في انتخابات عام 2005، كان هناك ما يشبه تحالفاً شيعياً-كردياً لإنجاح العراق الجديد وسط رفض شرائح واسعة من العرب السُنة، لاسيما هيئة علماء المسلمين، للعملية السياسية والاحتلال الأمريكي، وقد طال العنف المسلح العديد من السياسيين وأعضاء مجلس الحكم بهدف إفشال العملية السياسية.

وبعد تفجير ضريح الإمامَين العسكريين في سامراء في شباط 2006، أخذ الاقتتال الطائفي منحىً جديداً ودخلت البلاد في أتون حربٍ أهلية ألقت بظلالها على انتخابات العام 2010، وقد تفاقم شعور السُنة والعلمانيين بهيمنة الأحزاب الشيعية على الحكم بعد أن حُرمت قائمة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي من فرصة تشكيل الحكومة وقرّرت المحكمة الاتحادية العليا أن الكتلة الأكبر هي تلك الناتجة عن التحالفات ما بعد إعلان النتائج.

في انتخابات 2014، عاد التوتر الطائفي بقوة، متأثراً بتداعيات الربيع العربي وتصاعد عمليات داعش. في المقابل، سعى المالكي لتوسيع نفوذه بتشكيل محافظات جديدة على أسس عرقية وطائفية – في تلعفر (للتركمان الشيعة)، وسهل نينوى (للمسيحيين) مقتطعة من محافظة نينوى؛ وطوزخورماتو (للتركمان) مقتطعة من محافظة صلاح الدين؛ والفلوجة مقتطعة من محافظة الأنبار – فكان الخطاب الطائفي هو الغالب في تلك الانتخابات.

في عام 2018، وبعد حربٍ دامية بدعم من التحالف الدولي والحشد الشعبي وبعد إفشال استفتاء استقلال إقليم كردستان، جرَت الانتخابات في ظل أجواء جديدة تمثّلت في القضاء على التمرّد السُني، بل ودخول تحالفات عابرة للطائفية، ولو شكلياً، إلى مناطق مغايرة مذهبياً، وهكذا حصدت قوائم برئاسة رئيس الوزراء وعضو حزب الدعوة الشيعي حيدر العبادي أصواتاً في محافظة نينوى التي اتخذها التنظيم المتطرف معقلاً له على مدار ثلاث سنوات قبل تحريرها من سيطرته 2017.

وجاءت انتخابات 2021 وسط أجواء متوترة بسبب تظاهرات تشرين 2019 واستقالة عبد المهدي، وضغوط أمريكية على الحشد الشعبي، واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس. بعد إفشال الاستفتاء الكردي واستعادة كركوك وتحييد التمرّد السُني، أصبحت الخلافات شيعية-شيعية، خصوصًا بين التيار الصدري وبقية القوى الشيعية التقليدية والمسلحة التي اجتمعت تحت يافطة “الإطار التنسيقي”، رغم وجود ميل لخطاب وطني عابر للطائفية تحت تأثير المطالب الشعبية للتخلّص من النفوذ الإيراني.

اليوم، يتراوح الخطاب بين إثارة النعرات الطائفية عبر المدونين والقنوات الحزبية، والحديث عن الوطنية. يجد الإطار التنسيقي ارتياحًا نسبيًا لعزوف الصدر عن المشاركة، لكن مشاكله الداخلية واضحة في الهجوم الحاد على رئيس الوزراء السوداني.

على الصعيد السُني، نجد أن صفقاتٍ سياسية قد مهّدت لعودة الساسة السُنة إلى المشهد، لاسيما خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، وسط محاولات للتأثير على ناخبيهم من خلال الدعوة لحظر التيار السلفي المدخلي، بوصفه تياراً يهدد السلم الأهلي، وفسح المجال أكثر لتيار سُني آخر هو “الرباط المحمّدي”، ذي النزعة الصوفية والذي يتهمه خصومه بالقرب من الحكومة والأحزاب الشيعية، بهدف التمدّد في المناطق السُنية، فضلاً عن دعم الحركة الكسنزانية الصوفية من حكومة بغداد والحزب الحاكم في السُليمانية، والتي سبق لها أن فازت بمرشحين كُرديين في محافظة الأنبار في عام 2010.

  • قوانين انتخابية في خدمة الأحزاب الكبرى

شهدت الانتخابات العراقية تغيراً في القوانين الانتخابية، لكنّها في العموم لا تمنح الناخبين دوراً كبيراً ومباشراً في تحديد هوية رئيس الوزراء.

في عام 2005، عدّ قانون الانتخابات العراق دائرة انتخابية واحدة، وصوّت الناخبون لصالح قوائم مغلقة من دون اختيار مرشحين بعينهم. صبّ ذلك النظام في مصلحة الأحزاب الكبيرة ولم يمنح المرشحين المستقلين والمناطق الصغيرة فرصة للفوز.

وفي عام 2010، عُدّل القانون ليقسّم العراق إلى 18 دائرة انتخابية ويصوّت الناخبون لصالح مرشّحٍ بعينه ضمن القائمة. عزّز ذلك التغيير، ولو نظرياً، من الشفافية وقدرة الناخبين على محاسبة المرشحين ومكّن المرشحين الأفراد نسبياً مقارنة بنظام القوائم المغلقة. استمر العمل بهذا القانون في انتخابات 2014 و2018، الأمر الذي كرّس هيمنة الأحزاب الكبرى وصعّب على المستقلين إمكان الوصول إلى البرلمان.

وبضغط احتجاجات تشرين 2019، أقر البرلمان قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2020، الذي قسم العراق إلى 83 دائرة صغيرة (3-5 مقاعد لكل منها)، ومنح الناخبين حق التصويت المباشر لمرشح وليس للقائمة. خفّض هذا القانون هيمنة الأحزاب، وزاد فرص المستقلين والحركات الناشئة، وعزّز فوز التيار الصدري المنظّم، لكنّه أثار جدلاً حول تمثيل النساء وكوتا المكونات. رغم ذلك، خُصص ربع المقاعد للنساء وتسعة للمكونات، منها خمسة للمسيحيين ومقعد لكلٍّ من الأيزيديين والشبك والصابئة المندائيين والكُرد الفيليين.

ومن المقرر إجراء الانتخابات القادمة وفقاً لقانون الانتخابات السابق، ممّا يعني عودة هيمنة الأحزاب الكبرى على العملية السياسية.

بشكل عام، ارتفع عدد أعضاء البرلمان العراقي من 275 في 2005 إلى 325 في 2010، ثم 328 في 2014، ووصل إلى 329 في أعوام 2018 و2021 و2025.

  • انتخابات في “شرق أوسط جديد”

على الصعيد الإقليمي، تجري هذه الانتخابات في ظل تغيرات جذرية عصفت بالمنطقة وأعادت تشكيل خريطة القوى المهيمنة فيها.

بينما جرت انتخابات عام 2005 في ظل فوضى أمنية منقطعة النظير، وفي خضم حربٍ طائفية مستعرة في عام 2010، وظروفٍ حسّاسة ترتبط بتداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق وظهور تنظيم داعش في عام 2014، وجرت انتخابات العام 2018 في ظل ذروة الدور الإيراني في العراق، وتحت ضغط التظاهرات في عام 2021.

اليوم، تجري الانتخابات في ظل تراجع واضح للنفوذ الإيراني في المنطقة والعراق، بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023 في غزة وسقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024. وفي ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، يتصاعد الضغط على العراق لحلّ ملف الميليشيات المسلحة والنأي بالنفس عن إيران.

كما تشهد المنطقة تنامي الدورين التركي والإسرائيلي، في وقت يشهد فيه الملفُ الكردي تراجعاً ملحوظاً بعد حل حزب العمال الكردستاني في تركيا، وتوقيع اتفاق بين قوات سورية الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية الانتقالية المقرّبة من أنقرة. إلى جانب ذلك، يواجه إقليم كردستان العراق مشاكل داخلية حادّة، لا سيما خلافات الرواتب مع حكومة بغداد، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في العراق والمنطقة ككل.

قد تدفع هذه المتغيرات الشيعة للتكتل والانتخاب بقوة، في ظل سيطرة قوى سُنية ذات تاريخ جهادي راديكالي في دمشق، وتراجع محور الممانعة في سوريا ولبنان وغزة، وبُطئ المفاوضات الأمريكية-الإيرانية، مع تراجع حلم الأكراد في وطن قومي، ومنح السُنة بارقة أمل بعد حقبة من القوة الإيرانية في الشرق الأوسط.

تأتي انتخابات هذا العام في جوّ أمني أفضل نسبياً من التجارب السابقة، فما مدى تأثير ذلك على العملية الانتخابية ومشاركة الناخبين والنتائج؟

  • استتاب أمني متميّز

على الصعيد الأمني، لم يشهد العراق أجواءً انتخابية مواتية أمنياص كما هو الحال عليه هذا العام.

ففي جولتَيْ الانتخابات والاستفتاء على الدستور في عام 2005، هزّت المفخخات شوارع بغداد واستهدف انتحاريون مقارّاً حزبية ومراكز اقتراع، كما جرت انتخابات 2010 وسط دوامة من المفخخات، وكانت أوضاع البلاد تشتعل بالمظاهرات وتنظيم داعش يحكم السيطرة على الفلوجة عشية انتخابات 2014 قبل أن يسيطر التنظيم المتطرف على أجزاء واسعة من شمال غربي العراق في حزيران من ذات العام، ويهدّد كلاً من بغداد وكركوك وإقليم كردستان في آب.

ورغم القضاء على الإرهاب في أواخر عام 2017، كانت المشاكل مع إقليم كردستان على أشدّها في انتخابات 2018، وجاءت انتخابات 2021 في أعقاب مظاهرات عمّت وسط وجنوبي البلاد أسفرت عن مقتل المئات وجرح الآلاف.

رغم الترويج لاحتمال عودة داعش في العراق وسوريا، تبدو هذه المخاوف غير مبررة، خاصة مع نمو القوات الأمنية العراقية نسبياً وبعد انسحاب القوات الأمريكية من شرق سوريا وتراجع الجماعات الإسلامية عالمياً، مثل حظر الإخوان في الأردن وبروز توجه مماثل من فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون مؤخراً.

  • توظيف المال السياسي

 

يقول ألبرت أينشتاين بأن “المعدة الجائعة ليست مستشاراً سياسياً جيداً،” وهذا صحيح عبر التاريخ، إذ تتأثر خيارات الناخب ومزاجه وما يؤثر فيه من خطابات وفقاً لوضعه الاقتصادي، ويصحّ الأمر أكثر في العراق، البلد الريعي الذي يشكل النفط أكثر من 90 في المائة من الموازنة العامة.

في عام 2005، صوّت العراقيون، فيما عدا المقاطعين ممّن خسروا وظائفهم العسكرية أو المدنية بفعل قانون اجتثاث البعثيين، وعيونهم تتوق لعراقٍ جديد ينعم بالازدهار والرخاء بعد أكثر من عقد من العقوبات الاقتصادية الخانقة. وفي عام 2021، واجه الشعب ضغوطاً اقتصادية وتقشفاً فرضته عليه ظروف جائحة كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط.

اليوم، يواجه الاقتصاد العراقي تحديات متفاقمة، وفقًا لصندوق النقد الدولي، حيث تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 2.5% في عام 2024، مقارنة بـ13.8% في عام 2023، مع انكماش النمو الكلي بنسبة 2.3% نتيجة انخفاض إنتاج النفط. ومع ذلك، تراجع معدل التضخم إلى 2.7% بفضل انخفاض أسعار الغذاء وامتصاص السيولة من قبل البنك المركزي، مما خفّف شعور المواطنين بالأزمة الاقتصادية.

عزّز هذا الشعور إجراءات حكومة السوداني، التي عينت مليون موظف جديد وزادت رواتب الضمان الاجتماعي، ما شكل حوافز مادية للناخبين في انتخابات مجالس المحافظات.

عموماً، يميل من يشغل منصب رئيس الوزراء، في كل انتخابات، إلى تعزيز فرصه عبر حضوره الإعلامي ودعم اللوبيات المالية، كما فعل نوري المالكي بتأسيس قواعد انتخابية من خلال دعم العشائر وتعويضات الشهداء ولاجئي رفحاء. وغالبًا ما ينشق رئيس الوزراء عن قائمته الأصلية، كما حدث مع إبراهيم الجعفري بعد 2005 وحيدر العبادي بعد 2021 وها هو السوداني يمضي في الدرب نفسه.

  • استقرار وتذبذب التمثيل السياسي

وعن التحالفات، تكشف الانتخابات العراقية عن مفاجئات يصعب التكهّن بها، كما حدث في تحالف الشيوعيين والصدريين في انتخابات 2021، فضلاً عن تشكّل تحالفات جديدة بعد فرز النتائج، وغالباً ما تُنتخب الرئاسات الثلاثة وفقاً لتوافقات سياسية، وتأثيرات خارجية، لا تعكس في الغالب أصوات الناخبين. يقلّل هذا من تقدير المواطن لدوره الحقيقي في انتخاب المرشحين.

بينما تشهد قواعد الأحزاب الشعبية حالات مدّ وجزر، يتميز التيار الصدري بثبات قاعدته وولائها القوي، حيث يلتزم أفراده بالمشاركة أو المقاطعة تبعاً لتوجيهات زعيمهم السيد مقتدى الصدر، في ظاهرة نادرة من الولاء السياسي.

رغم الانقسام الواضح بين القوى الشيعية اليوم، قد يعيد الضغط الأمريكي على إيران وظهور قوى سُنية جديدة في سوريا توحيدها. يتجلى الخلاف في مهاجمة الإطار التنسيقي لحكومة السوداني، حيث يبرز رئيس الوزراء إنجازاته العمرانية بينما تنتقد أحزاب الإطار القمة العربية التي استضافتها بغداد في 17 أيار بسبب ضعف التمثيل. كما يتصاعد اليوم خطاب شيعي يعدّ داعش وتظاهرات تشرين مشاريع أمريكية بتمويل خليجي لقلب النظام.

ورغم ظهور أحزاب كردية معارضة علمانية وإسلامية، يبقى التمثيل الكردي محصوراً تقريباً في الحزبين التقليديين: الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أربيل ودهوك وأجزاء من نينوى، والاتحاد الوطني الكوردستاني في السليمانية وكركوك وأجزاء من ديالى.

من جانبه، يشهد الميدان السياسي السُني تشظياً وتغيّراً مستمراً، مع غياب وجوه قديمة مثل الحزب الإسلامي وطارق الهاشمي وآل النجيفي بعد 2014، وظهور قادة جدد مثل خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي بعد 2021. كما أعاد تدخّل الأحزاب الشيعية محمود المشهداني، أول رئيس لمجلس النواب (2006-2008) إلى المنصب في تشرين الأول 2024. وتحوّل الزعماء السُنة من أبناء المدن (بغداد والموصل) إلى قيادات قبلية من الأنبار وصلاح الدين بعد مرحلة داعش.

ختاماً، تُجرى انتخابات هذا العام في مناخ أمني وجيوسياسي مختلف، لكن أدوات الأحزاب وحظوظها لا تزال مألوفة. وحدها المفاجآت المقبلة قد تعيد رسم المشهد بالكامل.

لايوجد تعليق

Leave a Reply