loading

المرصد العراقي لحقوق الإنسان: خطاب الطائفية والقومية يتصاعد مع قرب الانتخابات التشريعية

4

بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية 

حذّر تقرير صادر عن المرصد العراقي لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، من تصاعد خطاب الطائفية والقومية مع قرب الانتخابات النيابية المقبلة في العراق.

التقرير أصدره المرصد ونشره اليوم، بعنوان: (خطاب الطائفية والقومية يتصاعد مع قرب الانتخابات التشريعية)

نص التقرير: 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن الأسابيع الأخيرة شهدت تصاعدا مثيرا للقلق في الخطاب القائم على الانقسام الهوياتي في العراق، بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات التشريعية. هذه الظاهرة، التي تتكرر في كل دورة انتخابية، تشهد هذا العام تطورا باستقطاب مدونين ونشطاء وإعلاميين يروجون لخطابات قِوى سياسية تهدد السلم المجتمعي.

توصل مركز أسبر لمدققي المعلومات، التابع للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، إلى هذه الخلاصة بعد مراقبة دقيقة للمحتوى السياسي والإعلامي والرقمي المتداول في المشهد العراقي، حيث أظهرت مؤشرات الرصد أن الخطاب الانقسامي لم يعد حكرا على الأطراف المتطرفة أو الحسابات الهامشية، بل تسلل إلى حملات غير رسمية لمرشحين ومسؤولين سياسيين، بل وأصبح مادة رئيسية في بعض البرامج الإعلامية.

لاحظ المركز أن الهويات الفرعية—الدينية والمذهبية، القومية والعرقية، وحتى المناطقية—باتت تُستخدم كأدوات تعبوية رئيسية في الحملات الانتخابية، بدلا من الخطاب القائم على البرامج والسياسات العامة. فبدل أن تكون الانتخابات مناسبة لتعزيز القيم الديمقراطية والتنافس على أساس الكفاءة والخدمة العامة، تحوّلت لدى بعض الفاعلين إلى مناسبة لاستدعاء روايات الانقسام، وشحن الجمهور بخطابات تؤسس للخصومة لا للمواطنة.

وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أبرز ساحات هذا الخطاب، حيث رصد المركز نشاطا منظما لمجموعة من الحسابات، بعضها وهمي، تعمل على بث محتوى يحرّض ضد مكونات بعينها، سواء من حيث الطائفة أو العرق أو المنطقة. هذه المنشورات، التي غالبا ما تكون مضللة أو منتزعة من سياقها، تسعى إلى تعميق الشكوك والعداء المتبادل بين فئات المجتمع، وتُظهر الآخر بوصفه تهديدا يجب عزله أو إقصاؤه.

كما وثّق فريق مركز أسبر لجوء بعض الجهات الإعلامية إلى تقديم محتوى يغذي النزعات القومية المتطرفة، ويعيد تدوير الصور النمطية حول مناطق أو جماعات سكانية، خصوصا في حالات تناول القضايا المتعلقة بالإقليم أو العلاقات مع دول الجوار، حيث تُقدَّم القومية الكردية، أو العروبة، أو الانتماء لمناطق جنوبية أو غربية، كعوامل تُستثمر في تعميق الفرز المجتمعي.

وفي هذا السياق، رصد المركز تصاعدا في التصريحات السياسية التي تعيد إنتاج خطاب “المظلومية الجماعية”، سواء الدينية أو القومية أو المناطقية، وتُستخدم ضمن أطر انتخابية لا تخلو من التحريض والإقصاء. وتبيّن أن هذا النوع من الخطاب لا يُطرَح ضمن سياق مراجعة وطنية عادلة أو دعوة للإنصاف، بل يجري تسييسه وتوظيفه بطريقة تثير الحساسية وتُضعف مشاعر الثقة المتبادلة بين المواطنين.

الأخطر، أن بعض المرشحين الجدد، بدلاً من تقديم برامج انتخابية واضحة، يعتمدون على شعارات قائمة على تمثيل “المكون”، أو “المنطقة”، أو “المظلومية التاريخية”، ويقدمون أنفسهم كـ”حماة الهوية”، في وقت تغيب فيه أية مساءلة حقيقية لممارساتهم أو قدرتهم على تقديم حلول للمشكلات الفعلية التي يعاني منها المواطن العراقي، في جميع المحافظات ومن مختلف الانتماءات.

ويأتي هذا التصاعد في ظل غياب مدونات سلوك انتخابية ملزمة تمنع استغلال الانتماءات، أو تضع معايير واضحة لخطاب الحملات السياسية والإعلامية. ولم تُعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حتى الآن عن إجراءات صارمة لضبط هذا الانفلات، فيما تكتفي هيئة الإعلام والاتصالات بالمراقبة دون اتخاذ خطوات رادعة تجاه الجهات التي تروّج للكراهية أو الإقصاء، سواء على أسس دينية أو قومية أو مناطقية.

يشدد مركز أسبر على أن السماح باستمرار هذا النمط من الخطاب دون تدخل مؤسساتي جاد يُهدد وحدة البلاد واستقرارها، ويعيد إنتاج مناخات الانقسام التي عانى منها العراق في فترات ماضية، ودفع ثمنها المجتمع بأكمله. كما يُذكر المركز بأن الحملات الانتخابية ليست ساحة مفتوحة لإشعال العداوات، بل ينبغي أن تكون مناسبة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن على أساس الحقوق والواجبات، والمواطنة المتساوية، والمشاركة الديمقراطية.

وإذ يحمّل المركز الجهات الرسمية، وعلى رأسها المفوضية العليا للانتخابات وهيئة الإعلام والاتصالات، مسؤولية ضبط هذا الخطاب ووضع آليات فعلية لمراقبته والحد من انتشاره، فإنه يدعو أيضا وسائل الإعلام إلى الالتزام بالمعايير المهنية، وتجنب التحريض أو الانحياز لصالح الهويات الضيقة. كما يطالب منظمات المجتمع المدني والجهات الرقابية بتكثيف جهودها في التوعية بخطورة الخطابات الانقسامية، والعمل على تعزيز ثقافة التعدد والتنوع بوصفها ضمانة للاستقرار والعدالة الاجتماعية.

لايوجد تعليق

Leave a Reply