تقرير لـ”جمار”: مشاركة “جيل Z” في الانتخابات النيابية المقبلة قد تحدد مصيرها
7
بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
سلّط تقرير صحفي، الضوء على مشاركة الجيل الجديد من الشباب في الانتخابات النيابية المقبلة، مشيراً إلى أن مصير الانتخابات المقبلة قد يحدده هذا الجيل المعروف اصطلاحاً بالجيل Z.
لن يفوت الطبقة السياسية التي ستتنافس في مضمار الانتخابات البرلمانية القادمة، أن مصيرها قد يحدده جيل جديد، وسوف تلتفت إليهم لأهمية وحجم أصواتهم.. مقال مطول عن جيل Z في حلبة الانتخابات العراقية
………………………………………………………………………
في 15 من كانون الأول 2005، أُجريت أول انتخابات برلمانية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي وتغيير الحكم عام 2003. قُسِّم العراق حينها إلى 18 دائرة انتخابية بعدد محافظات البلد، وخُصص لهذه الدوائر 230 مقعداً برلمانياً، كما عُدّ العراق دائرة انتخابية واحدة لـ45 مقعداً مخصصة للأقليات. كان مواليد عام 1988 هم أصغر الناخبين في تلك الدورة التشريعية الأولى، التي ضمّت أصوات جميع الأحياء ممن تجاوزت أعمارهم السنّ القانوني للانتخاب.
لم تأتِ نتائج تلك الانتخابات مخالفة لما هو محتمل؛ إذ هيمنت التشكيلات السياسية ذات البُعد القومي والتمثيل الطائفي على النتائج، حتى أن وسائل الإعلام وقتها، والجهات غير الرسمية وبعض الرسمية، أعلنت نتائجها وفق تقسيم: الشيعة، السنّة، الكرد.
حصلت اللائحة الشيعية حينها على 128 مقعداً، أي أقل بعشرة مقاعد من الأغلبية المطلقة لمقاعد مجلس النواب البالغة 275 مقعداً. وجاءت اللائحة الكردية في المرتبة الثانية بحصولها على 53 مقعداً، وجبهة التوافق السنّية ثالثة بـ44 مقعداً. فيما لم تكن هناك معايير أخرى غير طائفية لتقسيم النتائج وتقييمها.
بعدها جاءت انتخابات 7 آذار 2010 مشابهة لانتخابات 2005 مع تغييرات بسيطة، منها ارتفاع عدد أعضاء البرلمان إلى 325 نتيجة لنمو السكان بنسبة 2.8 بالمئة، والذي اعتُمد وقتها بناءً على إحصاءات وزارة التجارة، وتحوّل القائمة من مغلقة إلى شبه مفتوحة. خلاف ذلك، ضمّت تلك الانتخابات ناخبين جُدداً من مواليد 1989 وحتى 1992؛ هؤلاء الشباب والشابات الذين تشكلت طفولتهم مع التغيير، ولم يشهد بعضهم سوى لمحات من الحصار الاقتصادي وأحداث عام 2003. أي أن ذاكرتهم الجمعية تختلف -بشكل ما- عن الأجيال التي شهدت حرب 1991 والحرب العراقية الإيرانية.
غير أنهم، مع ذلك، يُعدّون نسبة قليلة من الناخبين ولا يمكنهم إحداث الفارق، خصوصاً أنهم طلاب وشباب أدركوا الحرب الطائفية، وهذه الذاكرة بدورها تختلف عن الناخبين الجدد الذين شمِلَت أعمارهم بالانتخاب في عام 2014، وهم من مواليد 1993 وحتى 1996، وهم آخر جيل في الحياة البشرية عاشوا طفولة تقليدية -أو بعضاً منها-، طفولة ليست محاصرة بالأجهزة الذكية، ولا ترتبط بالقفزة التكنولوجية التي شهدها العالم. وهم آخر مواليد جيل الألفية.
جيل Z يصوّت
مع كل انتخابات جديدة، يدخل جيل جديد ضمن فئة الناخبين، غير أن هذا التلاحق لم يغيّر في النتائج كثيراً؛ فالقوى التقليدية بقيت محافظة على مركزيتها في النتائج، وإن ترنّحت قليلاً، فمرة يصعد هذا الطرف، وأخرى ذاك. وهذا لا يعني بالضرورة عدم قدرة الناخبين الجدد على التغيير، لكن الأحداث الاجتماعية والسياسية بقيت دائماً عائقاً أمام عبور سور التكتل الطائفي والعرقي والقبلي، الذي يغذّيه النظام أحياناً. يُضاف إلى ذلك قانون الانتخابات الذي قد يشكّل عائقاً أمام صعود “قوى ناشئة”، وهو مصطلح راج في أدبيات السياسة العراقية بالتزامن مع انتخابات عام 2018.
وعلى الرغم من أن انتخابات ذلك العام شهدت التحوّل الأبرز في تغيير خارطة الناخبين، فقد دخل جيل Z صناديق الاقتراع، من مواليد 1996 وحتى 2000؛ الصناديق التي احترق بعضها لاحقاً، وبقيت مخلصة للتقسيمة القديمة.
بعد الولادة المعقّدة لحكومة عادل عبد المهدي، تفجّرت احتجاجات تشرين عام 2019، والتي ستُشكّل نقطة تحوّل بالنسبة للقوى التقليدية والناشئة في آنٍ واحد. فصدمة تشرين، التي لم تستطع بعض القوى التقليدية – وخصوصاً الشيعية– أن تنسجم معها، سمحت –بشكل ما– بكسر الكسل الانتخابي، والذي تزامن مع قانون انتخابات جديد، قسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية في الانتخابات المبكرة 2021، وخفّض عُمر الترشّح من 30 إلى 28 عاماً.
أدى هذا كله إلى نتائج تُعتبر مباشرة بالنسبة للقوى المستقلة والعابرة للهيمنة الطائفية التي تشكّلت بعد تشرين، كما تشير دعايتها الانتخابية. وهذا ما شهدته الانتخابات وقتها، والتي بدورها ضمّت ناخبين جدداً بمحاولات جديدة، وهم من مواليد 2000 وحتى 2003. أي إن ولادة بعضهم كانت متزامنة مع الاحتلال الأمريكي وولادة النظام السياسي الجديد. فجاءت نتائج انتخابات 2021 بعُرف جديد: حضور التحالفات والكتل الجديدة.
على الرغم من حصول الكتلة الصدرية على 73 مقعداً، وهي من القوى التقليدية، فإن تحالف قوى الدولة –برئاسة الزعيم الشيعي المعروف عمار الحكيم– لم يحصل إلّا على 4 مقاعد، رغم أنه يضم طيفاً واسعاً من الأحزاب والشخصيات التقليدية المركزية والمهيمنة على عراق ما بعد 2003، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
في المقابل، حصلت حركة “امتداد” التي انبثقت من الاحتجاجات واعتمدت أدبياتها، على 9 مقاعد، و”إشراقة كانون” على 6، وحراك الجيل الجديد” على 9 مقاعد. كما حصل التحالف الكردستاني على 16 مقعداً، فيما لم يحصل تحالف “الفتح” –الذي انضوى تحته العديد من التيارات الراديكالية الشيعية– إلّا على 17 مقعداً، بينما حصل في انتخابات2018 على 48 مقعداً.
أظهرت انتخابات 2021 تغيرات بنيوية عن سابقتها، من بينها تراجع أسهم القوى التقليدية؛ فقد شهدت محافظة البصرة مثلاً تراجع دور حزب الفضيلة، الذي سيطر على منصب المحافظ ومناصب أخرى وبسط نفوذاً في الشارع، منذ عام 2003 حتى بدأ بالتراجع عام 2009، مما فسح المجال لهيمنة المجلس الأعلى على المحافظة حتى عام 2013، حين ارتفع نفوذ “دولة القانون”. الأحزاب التقليدية تلك ستتراجع بشكل ملحوظ منذ عام 2018، الذي شهد ظهور تحالف “تصميم” بقيادة أسعد العيداني، الذي تصاعدت أسهمه، إذ حصل على 5 مقاعد في انتخابات 2021 البرلمانية الاتحادية، بما ينسجم مع السياق العام للتغيّر الانتخابي.
وفي انتخابات 2021 نفسها، التي ترشّح فيها أكبر عدد من المستقلين (789 مرشحاً)، وصل 43 نائباً مستقلاً إلى قبة البرلمان. وتُرجّح التقديرات أن غالبية الشباب صوّتوا لصالح القوى الجديدة، غير أن هذا التصويت كان محكوماً –إلى حد كبير– بما يمكن تسميته بـ”انفعال تشرين”، حين ارتفعت أسهم “البديل” مقابل “التقليدي” الذي لم يكفّ عن محاولات إعادة التموضع والتكيّف مع المتغيرات.
هذه التغيرات فتحت آفاقاً جديدة في التعامل مع الناخبين الجدد، ودفعت كثيراً من القوى التقليدية لتغيير أدواتها في الترويج منذ انتخابات 2018. فبعد أن كان الواقع والتلفاز هما فضاء التواصل الرئيسيان، بدأت “الميديا” تنافس الواقع في واقعيتها، وأصبحت البعد الثالث الذي تنسج من خلاله العلاقة بين المرشحين والجمهور. وقد أسفر هذا عن ظهور جملة من الظواهر الجديدة ضمن المعجم السياسي، من أبرزها مصطلح “الجيوش الإلكترونية”.
وقد أدّت نتائج انتخابات 2021 إلى إيصال عدد من النواب إلى البرلمان، ممن يتمتعون بحضور إلكتروني فعّال: يكتبون أو يظهرون في الفيديوهات، مغيِّبين بذلك أسماء سياسية كانت فاعلة منذ بداية تشكّل النظام. لكن أبرز ما ظهر هو الصراع –الذي يرتفع أحياناً وينخفض في أخرى– بين ما بات يُعرف بـ”النواب المستقلين” أو “نواب تشرين”، من جهة، و”نواب القوى التقليدية”، من جهة أخرى.
وقد يكون هذا الصراع انعكاساً مباشراً للواقع، الذي بات يتشكّل على نحو يمكن فهمه من زاوية العمر. فالأجيال الجديدة تميل إلى دعم القوى الجديدة، ولدى بعضها إيمان وثقة بها، خصوصاً شباب المدن الذين تَشكّل وعيهم السياسي في ساحات الاحتجاج في تشرين 2019. في المقابل، ما تزال القوى التقليدية تحتفظ بولاء قواعدها، وإن ضمّت تشكيلاتها الحزبية عدداً من الشباب، غير أن هذا لا يخفي الفرق الجوهري بين دعاية وسردية الجانبين.
ماذا يقول جيل Z؟
حين سألنا عدداً من ناخبي انتخابات 2021 من جيل Z، أكّد خمسة من أصل 12 أن خياراتهم الانتخابية اختلفت عن خيارات آبائهم. فـ”صالح” من الناصرية، و”ضياء” من بغداد، و”مها” من بابل، و”مالك” من ميسان، و”سحر” من بغداد، جميعهم صوّتوا لصالح الأحزاب الجديدة التي خاضت غمار التنافس الانتخابي للمرة الأولى، في حين انتخب آباؤهم القوى التقليدية، وعلى رأسها: دولة القانون، والتيار الصدري. هذا يدلّ على أن خيارات هذا الجيل تختلف جذريًا عمّن سبقوهم، وإن كان بعضهم قد شعر بالإحباط من أداء النواب المستقلين لاحقاً. ومع ذلك، رجّح بعضهم أن العملية السياسية بمجملها لا تسمح بتغيير حقيقي، غير أن هناك نوعاً من الثقة والروابط بين هذا الجيل والقوى الناشئة لا يمكن إغفاله.
هذا كله يأتي مع قلّة المشاركة في انتخابات 2021، التي بلغت حوالي 43 بالمئة حسب الإعلان الرسمي. حيث شارك 9,629,601 ناخباً من أصل 22,116,368 ناخباً مسجلاً. وهذا ما اعتبرته بعثةالمراقبة الأوروبية وقتها: “إشارة سياسية واضحة” تستدعي انتباه النخبة السياسية.
ماذا نعرف عن الناخبين الجدد؟ وماذا يعرفون هم عن السياسة؟
هذه المرة، لن يفوت الطبقة السياسية التي ستتنافس في مضمار الانتخابات البرلمانية القادمة، أن مصيرها قد يحدده جيل جديد، وسوف تلتفت إليهم لأهمية وحجم أصواتهم. حيث تشير التقديرات إلى أن عدد مواليد عام 2005 يبلغ نحو 975 ألف فرد، ومواليد 2006 نحو 998 ألفاً، ومواليد 2007 نحو 976 ألف. وتستند هذه الأرقام إلى بيانات من الأمم المتحدة والبنك الدولي. أما مفوضية الانتخابات، فقدّرت، على لسان الناطقة باسمها جمانة الغلاي، عددَ من سيحق لهم المشاركة في الانتخابات من مواليد العام 2007 بأكثر من مليون.
تخوض “فاطمة” في تشرين الثاني أول تجربة انتخابية لها، غير أنها مترددة بشأن المشاركة أو إصدار بطاقة الناخب. فاطمة، المولودة عام 2007، لا تهتم بالسياسة، ويضجرها الحديث عنها. إنها تجهل اسم رئيس الجمهورية، وليست متأكدة من اسم رئيس الوزراء الحالي، فتقول: “أحمد شياع السوداني”. عدم الاكتراث هذا لا يخصّها وحدها، فهناك فجوة واضحة بين العملية السياسية والناخبين الجدد من مواليد 2005 و2006 و2007، الذين سيشاركون لأول مرة.
يقضي هؤلاء أغلب أوقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصّاتهم المفضلة هي “تيك توك” و”إنستغرام”. ولا تبدو لديهم دوافع للاشتباك مع الشأن العام. وحين وُجّه لهم سؤال عن إمكانية الخروج في تظاهرة أو احتجاج، قلّل بعضهم من جدوى ذلك. ومن خلال 14 مقابلة صحفية أُجريت مع 14 فرداً منهم، عبّر بعضهم عن كراهية واضحة لكل ما هو سياسي، مفضلين البقاء في حياتهم الخاصة. وقد أوضح عدد منهم أن الاهتمام بتطوير الذات أكثر أهمية من محاولة الدخول في المعترك السياسي، ولو حتى كناخبين قادرين على المساهمة في التغيير.
في استبيانعشوائي شمل 43 شخصاً (27 ذكراً، و16 أنثى)، لم تخالف النتائج كثيراً ما جاء في المقابلات الصحفية. فقد قال 33.3 بالمئة من المستبينين إنهم أصدروا بطاقة الناخب، فيما أشار 42.9 بالمئة إلى أنهم سيقومون بإصدارها، بينما قرر 23.8 بالمئة عدم إصدار البطاقة.
وقد بيّن الاستبيان أن 47.6 بالمئة من هؤلاء الشباب لن يشاركوا في الانتخابات، مقابل 42.9 بالمئة أكدوا أنهم سيشاركون، بينما 9.5 بالمئة فضّلوا إعطاء إجابات خارج ثنائية “نعم أو لا”. ومن بين ما قاله بعضهم: “لا يوجد ممثل نزيه لأفكاري، وإن وُجد لن يستطيع تغيير شيء”، “كلا، لا أشارك، لأن هذه الانتخابات مثل سابقاتها”، “لستُ متأكدةً، أرى في هذا الموضوع جانبين، ربما يكون الشخص الذي سأنتخبه جيداً أو سيئاً، وفي الحالتين سأتحمل مسؤولية نتائج أفعاله” و”المشاركة أفضل من المقاطعة”.
تعكس هذه المواقف المتعددة رؤيتهم لمدى فاعلية أصواتهم في الانتخابات وقدرتها على إحداث تغيير. فقد رأى 32.6 بالمئة من المشاركين في الاستبيان أن أصواتهم لا تؤثر في النتائج، فيما اعتقد 30.2 بالمئة أن لها تأثيراً، وقال 37.2 بالمئة إن أصواتهم “ربما” تؤثر.
ورغم أن 23 شخصاً، أي بنسبة 53.5 بالمئة، يرون أن الانتخابات لا يمكن أن تغيّر الوضع السياسي في البلاد، فإن بعضهم عبّر عن مخاوف أخرى تجعل من التغيير أمراً صعباً أو بلا جدوى، في ظل “وجود السلاح المنفلت”، بينما قال آخرون ممن شاركوا في الاستبيان وعلّقوا على حقوله: “لا سبيل إلّا بالانتخابات للتغيير في النهاية”. وهكذا، يظهر تباين واضح بين الإحباط والإيمان بإمكانية التأثير، وبين العزوف والمشاركة النشطة.
ناخبون من عالم جديد
يتحرك هؤلاء الشبان في فضاء “ميديوي” يبدو بعيداً، إلى حدٍ كبير، عن متناول الممول السياسي؛ ففي الغالب لا تصلهم سوى معلومات وبيانات شحيحة، ولا تصلهم من السياسيين إلا القليل من النتاجات الإعلانية التي تلهث لمواكبة الجديد بالإضافة إلى سيل الفيديوهات الساخرة، تلك التي عادةً ما تنتشر على نطاق واسع. لكنْ في الفترة الأخيرة، بدأت تظهر لهم بعض الفيديوهات المتعلقة بحركة بناء الطرق والجسور، وترفق معها صورة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على يسار أو يمين تلك الفيديوهات، التي تُعنون عادةً تحت يافطة “الإنجازات”. وهي تلاقي استحسان بعض ممن تحاورنا معهم، فيما لم يعلّق البعض الآخر.
رئيس الوزراء الذي يتحضّر للانتخابات ويطمح لـ 4 أعوام أخرى في منصبه، صبّ جهوداً خاصة لشريحة الشباب، مُطلِقاً مبادرة “شارك” تحت ظلال المجلس الأعلى للشباب، بهدف حثّهم على المشاركة في الانتخابات، رافعاً شعار: “لكي يكون للشباب أثر… شارك”. وخلال حفل انطلاق المبادرة، التي لا يمكن فصلها عن سياق السباق الانتخابي، تحدّث السوداني لنحو 15 دقيقة، وقسّم خلال كلمته الطويلة بمقاييس الأجيال الأحدث، قسّم التنافسَ بين نوعين: الأول من أسماه “التيار الوطني الواعي” والثاني من أطلق عليه “البديل الذي يلجأ إلى الشعارات والتزييف”، على حد تعبيره، مؤكداً على المشاركة الشعبية بوصفها “القوة الداعمة” لأي حكومة. كما كرّر كلمة “شباب” و”شبابنا” أكثر من مرة، وأشار لوصول فريقه إلى نحو 20 ألف شاب عبر الوسائل الإلكترونية، انتهت، حسب قوله، إلى 1200 شاب تحاوروا فيما بينهم وخرجوا بتوصيات نوقشت فيما بعد في مجلس الوزراء. في المقابل، تعمل غالبية الكتل على استهداف فئة الشباب، منها حركة البشائر التابعة لدولة القانون بزعامة نوري المالكي وغيرها.
سمح لنا حسين حسام ( 18 عاماً من سكّان العاصمة بغداد) باستخدام حسابه في تطبيق “تيك توك” ومن هاتفه الخاص لمدة 15 دقيقة، وخلال ذلك الوقت لم نعثر سوى على مقطَعَيْ فيديو سياسيَّيْن: الأول فيه أهازيج تمتدح السياسي العراقي محمد الحلبوسي، والآخر أنشودة دينية مرفقة بفيديو متحرّك لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وهو يمشي قرب أحد الأضرحة الدينية. يقول حسين إن أغلب الفيديوهات التي يفضّلها تتعلّق بكرة القدم، والأغاني المصحوبة بتصاميم صور، والمحتوى الدراسي — كونه طالباً في الصف السادس الإعدادي — إضافة إلى الترندات، والمقاطع المضحكة، وفيديوهات تخص شغفه بالسيارات.
أخذ حسين وقتاً طويلاً للرد على سؤال: هل ستنتخب؟ يقول: “لو قررت أنتخب، إلمَن أنتخب؟ أني ما أعرف. شلون يعني؟ هو أكدر أنتخب أي واحد؟”.
قد تبدو الفجوة كبيرة بين حسين ورفاقه من جهة، وبين الأحزاب والكتل والتيارات السياسية من جهة أخرى. يعرف حسين ومن معه الكثير من المعلومات عن ألعاب الفيديو، وتطبيقات التعارف، وكيفية صناعة “الستوريات” التي تجذب انتباه جيله، وسوق العمل، ولديهم بعض الأفكار التجارية والتسويقية، هذا إضافةً إلى مواهب أخرى مثل التصوير وقيادة السيارات بشكل ملفت.
مقابل ذلك، يجهلون الكيفية التي تتحرك بها العملية السياسية في العراق. كما أن أغلب هؤلاء الشبان امتنعوا عن الحديث في الشأن السياسي، مفضّلين البقاء بعيدين عنه. يبرّر حسين ذلك بقوله: “دوخة يمعود، ما بيها فايدة”.
وعلى خلاف حسين، يرى مروان (19 عاماً) أنه في موقع يمنحه الرؤية والفاعلية السياسية التي يطمح إليها. لم يتردد مروان من التصريح منذ الآن باسم المرشح الذي سينتخب، فقد انضم منذ حوالي 3 أشهر إلى أحد الأحزاب التي قررت خوض الانتخابات، وتعهد بالترويج لجدوى المشاركة السياسية، ومدى فاعلية العمل السياسي. رغم معرفته بأهمية تبسيط الخطاب للجيل الجديد وصعوبة ذلك.
يحاول مروان جاهداً اللعب في هذه المساحة، على الرغم من أنه يعيش في أطراف مدينة البصرة أقصى جنوبي العراق، ولا يبدو العمل سهلاً وسط ما أسماه “حكم العشيرة والتقاليد”، لكنّه على يقين أن التغيير ممكن.
ذاكرة جديدة.. رؤىً جديدة
يشتبك المواطن مع النظام السياسي بناءً على جملة من عوامل، منها طبقته الاجتماعية والاقتصادية، وموقعه داخل مجتمعه الصغير، والأدوات الفكرية والسياسية التي توفرها تلك الأنظمة، هذا فضلاً عن ذاكرته الخاصة التي تدفعه إلى اتخاذ قرارات معينة دون غيرها.
وإذا كان أداء الحكومات السابقة معيارا انتخابيا للعديد من الأفراد، يمكن أن ينطبق ذلك على الناخبين الجدد فقط في هذه الحكومة؛ لذا يجب أن نسأل كيف تشكّلت ذاكرتهم؟
أبرز حدث سياسي قد عاشوه هو انتخابات عام 2021، و”ليلة الخضراء” الشهيرة -المواجهات المسلحة بين التيار الصدري وفصائل شيعية أخرى مقرّبة أو منبثقة من قوى الإطار التنسيقي على تخوم المنطقة الخضراء-، وانسحاب التيار الصدري آنذاك، ما فرّغ الساحة لخصمهم الذي هيمن على الدولة. نحن هنا أمام جيل لم يشهد التحديات القضائية التي أصبحت جزءاً فاعلاً من تشكيل الحكومات، ويجهل بعضهم أبرز عرف سياسي في البلاد، أو لم يعايشه على الأقل، وهو “توزيع الرئاسات الثلاث على المكونات”، كما لم يشهد التحديات الأمنية التي راح ضحيتها الآلاف، والتي كان تمنح بعض الجهات السياسية اصواتاً انتخابية.
نحن إزاء ذاكرة لا تمتد أبعد من احتجاجات تشرين 2019، أي أنهم لم يتورطوا في “يأس تشرين السياسي”؛ إذ كان عمر الفرد منهم حينها نحو 12 عاماً (بين 12 و15). يُضاف إلى ذلك العزلة السياسية التي عادةً ما يقع فيها الشبان غير المنتمين أيديولوجيا، وهي عزلة يمكن إدراكها ما إن تلتقي عدداً من هؤلاء الذين لم يشهدوا كثيراً من أخطاء النظام وتحدياته الوجودية الكبرى.
لكنّهم يعرفون جيداً مؤشرات الفساد، والتراجع المؤسسي، والانقسام السياسي الذي يحول دون التقدم والتنمية. لذا، لم تتشكّل لدى الكثير منهم رؤى واضحة عن النظام السياسي، ويجهلون كيفية تحرك أقطابه، وكيفية تشكّل محاوره وصراعاته. وربما تكون رؤاهم في طور التكوّن، وقد تتغير لاحقاً تبعاً لموقعية العديد من الكتل والأحزاب التقليدية التي باتت أكثر انطواءً وعزلة في السياق الاجتماعي، بعد أن فقدت مقبوليتها، وتراجعت قدرة خطابها على ضمّ أفراد جدد. ويمكن استثناء بعض الأحزاب التي ما تزال قادرة على جذب شبان من الأجيال الجديدة.
لايوجد تعليق