بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
حذّر مقال للكاتب الصحفي زياد العجيلي، من خطورة أزمة المحكمة الاتحادية العليا وتأثيرها على الاستحقاق الانتخابي المقبل، مبيّناً أن المحكمة هي الجهة المنوط بها المصادقة على نتائج الانتخابات النهائية. ورغم أن العراق سبق أن شهد انتخابات نيابية جرت دون أن تُصادق المحكمة على نتائجها في حينها، إلا أن غياب الثقة الحالي يزيد من تعقيد المشهد ويُهدد بمزيد من الانقسام المؤسسي، وفقاً لما جاء في البيان الذي حمل اسم (هيبة القضاء في العراق وأزمة المحكمة الاتحادية العليا).
نص المقال:
يُعد القضاء أحد أهم أركان الدولة الحديثة، وضمانة أساسية للفصل بين السلطات وتحقيق مبدأ سيادة القانون. وفي السياق العراقي، حافظ القضاء طوال السنوات الماضية على مستوى عالٍ من المهنية والاستقلالية، ما جعله في منأى عن الانتقادات السياسية أو المجتمعية، لا سيما بفضل الأداء المتوازن لعدد من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
إلا أن المحكمة الاتحادية العليا، وهي الهيئة القضائية المكلفة بتفسير الدستور والنظر في دستورية القوانين والبت في النزاعات بين السلطات، قد أثارت مؤخرا جدلاً واسعا حول مدى التزامها بأحكام الدستور العراقي النافذ، وذلك نتيجة صدور عدد من القرارات التي اعتبرها مراقبون تجاوزا للصلاحيات المقررة قانونا ودستوريا.
لقد أدى تسييس عمل المحكمة الاتحادية، وارتباط أدائها بأجندات سياسية، إلى إحداث تشويش في الرأي العام، إذ بات من الصعب التمييز – بالنسبة للجمهور – بين “محكمة العميري”، في إشارة إلى رئيس المحكمة القاضي جاسم العميري، وبين بقية تشكيلات السلطة القضائية التي لا تزال تلتزم بأدوارها الوظيفية والدستورية التقليدية. وهذا الخلط يضع مجلس القضاء الأعلى في موقف حرج، ويؤثر على سمعة المؤسسة القضائية برمتها.
الاستقالة الجماعية الأخيرة لعدد من قضاة المحكمة الاتحادية العليا – قضاة أصيلين واحتياط – يُفهم منها أنها موقف احتجاجي نابع من دوافع مهنية وأخلاقية، رفضا لما اعتبروه خروجا على المبادئ الدستورية وتغوّلا في السلطة، لا سيما في ما يتعلق بتوسيع اختصاصات المحكمة خارج الإطار المحدد لها دستوريا وقانونيا، كالنظر في الطعون المقدمة ضد أحكام محكمة القضاء الإداري، رغم أن الدستور لم يمنحها هذا الاختصاص صراحة.
من جانب آخر، يرى بعض المراقبين أن قرارات محكمة التمييز الاتحادية التي أبطلت عددا من قرارات المحكمة الاتحادية، لا تعكس صراعا داخليا على النفوذ بين المؤسستين القضائيتين، بل تعبّر عن محاولة حقيقية لفصل القضاء عن التأثيرات السياسية، والحفاظ على الاستقلال الوظيفي والهيكلي للسلطة القضائية، باعتبارها آخر حصن دستوري لم يُخترق بعد.تزداد خطورة هذه الأزمة في ظل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما وأن المحكمة الاتحادية هي الجهة المنوط بها المصادقة على نتائج الانتخابات النهائية. ورغم أن العراق سبق أن شهد انتخابات نيابية جرت دون أن تُصادق المحكمة على نتائجها في حينها، إلا أن غياب الثقة الحالي يزيد من تعقيد المشهد ويُهدد بمزيد من الانقسام المؤسسي.
من الملفت أن اسم القاضي جاسم العميري هو الوحيد الذي ارتبط بشكل علني بمواقف سياسية وإعلامية، على خلاف تقاليد القضاء العراقي الذي اعتاد أن ينأى بنفسه عن التداول الإعلامي المرتبط بالشخصنة أو الاصطفاف. هذا الارتباط المتزايد بين المحكمة الاتحادية وبعض الفاعلين السياسيين، يثير تساؤلات جوهرية حول نوايا تسييس القضاء واختراقه.
ختاما، إن صيانة استقلال القضاء، وضمان التزام المحاكم باختصاصاتها المحددة دستوريا، شرطٌ لا غنى عنه لاستقرار الدولة العراقية، وبقاء مؤسساتها متوازنة. وأي محاولة لاستخدام القضاء كأداة لتصفية الخصومات السياسية أو تمرير أجندات غير دستورية، تشكل خطرا مباشرا على النظام الديمقراطي، ومبدأ سيادة القانون.
لايوجد تعليق