بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
كتب رئيس الدائرة الانتخابية السابق في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات محسن جبار الموسوي، مقالاً مطوّلاً تحدث فيه عن الهندسة الانتخابية وتأثيرها في العملية السياسية، تنشر شبكة أخبار الانتخابات العراقية نصه أدناه.
نص المقال:
الهندسة الانتخابية وتأثيرها في العملية السياسية
يعرف ( علم الهندسة ) بصورة عامة انه تطبيق القواعد والقوانين العلمية على أرض الواقع بهدف تلبية احتياجات الناس وابتكار الاختراعات العلمية التي من شأنها مساعدتهم في حل مشاكلهم بالأضافة الى تسهيل حياتهم ، وفي هذا المقال سيتم توظيف وتناول هذا العلم في مفهوم جديد وهو ( الهندسة الانتخابية ) كجزء من العلوم السياسية وقواعد العمل السياسي.
وتأتي اهمية الهندسة الانتخابية من حيث دورها في الترسيخ الديمقراطي ورفع التمثيل السياسي وتحسين كفاءة النظم الانتخابية في التمثيل السياسي لأنظمة الحكم المختلفة، وهذه المنطلقات تتجسد من خلال وجود مجموعة من الأهداف للهندسة الانتخابية، ولكن هذه الأهداف والمنطلقات تختلف باختلاف النظم السياسية فرغم أهمية الهندسة السياسية في بناء المؤسسات وتقوية وترسيخ الديمقراطية إلا أنها ليست ضمانة اكيدة للتحول الديمقراطي خصوصا في حالة توظيف الهندسة السياسية لتجديد شرعية بعض النظم التسلطية، وهو ما يشهده واقع النظام الانتخابي في بعض دول العالم بصورة عامة والعالم العربي بصورة خاصة والذي شهد مجموعة من التغييرات في شكله ومضمونه، بحيث أدى في المحصلة إلى تشكيل النظام الانتخابي من خلال مجموعة من الممارسات المتكررة ومن خلال طريقة سن القوانين والتشريعات الانتخابية والتي تهدف إلى وضع حدودا وقيودا أمام إمكانية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وتنافسية، وفق المعايير الدولية وإمكانية أجراء التغيير السياسي عن طريق الانتخابات نظرا لغياب مجموعة من الضمانات القانونية والدستورية، وكذلك غياب ضمانات على مستوى الإجراءات الفنية والرقابية للعملية الانتخابية.
ويستخدم مفهوم الهندسة الانتخابية والهندسة السياسية ليشير إلى الدور الذي تلعبه المؤسسات السياسية في رسم نتائج مرسومة مسبقا تتعلق بالسلوك السياسي والاجتماعي، والجدير بالذكر أن هذا المفهوم ليس حديث جدا، فقد ظهر هذا المصطلح ضمن مسار طويل ومتقطع في تطور علم السياسة ، وأن فكرة الهندسة السياسية ليست وليدة العقود الحديثة فهناك مقالة نشرت في المجلة الاميركية للعلوم السياسية بعنوان ( الحاجة إلى تطوير هندسة علم السياسة ) هذه المقالة نشرت عام 1930 حيث يرى صاحب المقال بأن الهندسة الاجتماعية جاءت كاستجابة للتطور في المجتمع الصناعي وتطور المعارف التقنية، ويرى بأن الهندسة السياسية بدورها كذلك تتطلب تعمقا في دراسة الظواهر الحكومية وعلم الادارة لمعرفة القوى التي تتحكم في المجتمع والمبادئ التي تحكم تفاعلاتها.
ولذلك فعند الحديث عن الهندسة السياسية تبرز مجموعة من المفاهيم المتقاربة مثل (الهندسة الدستورية، الهندسة الاجتماعية، الهندسة الانتخابية، التصميم المؤسسي،…الخ) والفكرة العامة والمشتركة في فكر الهندسة والتصميم هو مجموعة المساعي بهدف التأثير على المواقف السائدة والسلوك الاجتماعي على نطاق واسع سواء من قبل الحكومة أو الاحزاب السياسية او مؤسسات أخرى للوصول إلى نتائج محددة سلفا ومتوقعة إلى حد كبير كما ترتبط بها مفاهيم واهتمامات بناء المؤسسات وتصميم الديمقراطية.
والهندسة الانتخابية كفرع من الهندسة السياسية تهدف إلى جملة من التأثيرات المرغوبة في النظام الانتخابي والنظام الحزبي وفي البنية الحكومية ، وهي تندرج ضمن الهندسة السياسية والتي تهدف إلى إدخال تأثيرات مدروسة ومتوقعة بناءا على تصميمات مؤسسية أو تشريعية والتي تهدف إلى (تسوية وحل الصراعات الاجتماعية، حل الصراعات والحروب الأهلية ، بناء الدولة والمؤسسات ، تطوير وتحسين التمثيل السياسي والجودة الديمقراطية، زيادة المشاركة السياسية والانتخابية) .
نماذج الهندسة السياسية والانتخابية :-
في إطار الهندسة السياسية والانتخابية هناك نموذجين متنافسين هما النموذج التوافقي مقابل النموذج الرئاسي (المركزي) وكل نموذج يرى أنصاره بأنه الهندسة السياسية المناسبة لحل الصراعات وتقوية المشاركة السياسية وتحسين الأداء السياسي للديمقراطيات من خلال متبنياته.
فالنموذج التوافقي يرى بأن الأشكال الدستورية البرلمانية هي النماذج الدستورية الأنجح في التحول والترسيخ الديمقراطي، مقارنة بالنماذج الدستورية الرئاسية، ومن ناحية الهندسة الانتخابية يرى بأن الأنظمة الانتخابية ذات الطبيعة النسبية هي الأنجح من الأنظمة الانتخابية الأغلبية، خصوصا في المجتمعات المنقسمة، لأنه يرى بأن التصميم المؤسسي الأنسب في المجتمعات المنقسمة اثنيا وقوميا ودينيا هو التصميم المؤسسي للديمقراطية التوافقية بدل الديمقراطية بالأغلبية، ويوعز ذلك الى النظم التي تقترب من النموذج التوافقي في الديمقراطية هي النظم الأكثر نجاحا في العديد من القضايا مثل الأداء الاقتصادي، نسبة المشاركة السياسية، وحل الصراعات الداخلية.
أما نموذج المركزية او النظام ( الرئاسي ) المنافس للتوافقية فيرى بأن النموذج التوافقي قد تنتج عنه العديد من المخاطر بالنسبة للمجتمعات المنقسمة والتي تبحث عن بناء هوية قومية مشتركة، وأن نموذج الديمقراطية التوافقية عن طريق سن قوانين انتخابية ذات طابع نسبي لا تنجح دائما في المجتمعات المنقسمة، خصوصا الدول النامية وحديثة الاستقلال والتي تفتقر إلى المؤسسات الديمقراطية، بل هذا سيعمل على تعقيد الأوضاع، ويرى بأن صياغة أنظمة انتخابية أغلبية سيعمل على تقوية أحزاب وطنية تجمع بين كل الفئات المختلفة وتضعف من النزاعات المحلية والاثنية، بينما حين يتم تبني نظام يميل إلى النسبية فإنه سيعمل على تقوية الأحزاب والتوجهات الخصوصية والانفصالية والطائفية.
الهندسة الانتخابية في النظم الديمقراطية والنظم التسلطية :-
يفترض في الهندسة الانتخابية على وجه الخصوص والهندسة السياسية في النظم الديمقراطية أنها ذات طابع منهجي نسقي ومحايد في الاطار العام، كما أنها ترتبط بالهندسة الدستورية المدروسة على أساس تقييد السلطات، والفصل بين السلطات سواء ضمن النموذج الرئاسي أو البرلماني، كما انها هندسة محايدة وهندسة توظيفية، تهدف إلى ترسيخ الديمقراطية عن طريق تحسين عيوب التمثيل في النظام الانتخابي .
لكن الهندسة الانتخابية في النظم التسلطية ترتبط بالهدف العام لبقاء النظام السياسي التسلطي وهو تجديد نفسه، عبر آليات قانونية وغير قانونية من خلال توظيف القوانين الانتخابية لصالح الحزب الحاكم او ضد المعارضة، ففي نظم العالم الثالث وخصوصا العالم العربي، هناك ضعف في استقرار وقوة المؤسسات السياسية، والهندسة السياسية يغيب فيها معيار الحياد والتوظيف المنهجي والنسقي للإصلاحات الانتخابية، فالهندسة الانتخابية في النظم التسلطية والتي اضطرت لمجاراة الاصلاحات السياسية للموجة الثالثة من الديمقراطية هي:
- هندسة توظيفية غير حيادية، تهدف إلى توظيف واستغلال القوانين الانتخابية لصالح الحزب الحاكم، والمرشحين الموالين للسلطة، وهناك في النظم العربية نماذج يصعب الحديث عن هندسة انتخابية تسعى إلى تصميم الديمقراطية، أو هندسة انتخابية ديمقراطية، فمعيار الحيادية يغيب عن استراتيجية التصميم الانتخابي، فهناك استغلال وتلاعب بالعملية الانتخابية برمتها ابتدائاً من القوانين الانتخابية وبتصميم الدوائر الانتخابية وانتهاءا بالانتهاكات والتزوير لصالح الحزب الحاكم ومرشحي السلطة بطرق مختلفة ، وأحيانا كثيرة عدم احترام القوانين الانتخابية والمبادئ الدستورية في حد ذاتها.
- ما يتم في العالم العربي على وجه الخصوص، هو عملية هندسة انتخابية، تفتقر إلى الابعاد الاستراتيجية، ولها أهداف معاكسة للتحول الديمقراطي تماما، ويمكن التعبير عن ذلك من خلال العديد من الأدلة التاريخية والواقعية بان الانتخابات والتصميم الانتخابي في العالم العربي لا تخرج عن كونها آليات لتجديد التسلطية، والحفاظ على المناصب والمكاسب لأطول مدة زمنية.
- الانتخابات ضمن الهندسة الانتخابية، لا تؤدي ولم تؤدي إلى تغيير سياسي، بل هي تعمل باستمرار على إعادة انتخاب النخب الحاكمة سواء في ظل الانظمة الديمقراطية والتسلطية.
- هناك ميل مشترك في بعض الأنظمة العربية لإضعاف التنظيمات الحزبية سواء الأحزاب السياسية المعارضة او حتى تلك التي في السلطة، وذلك بعدم السماح بتأسيس الأحزاب السياسية الجديدة، وسعي النخب الحاكمة إلى إضعاف التنظيمات الحزبية، وإضعاف وظيفة المعارضة، وتزوير الانتخابات والعنف والقمع الملازم للحملات الانتخابية وهذا النموذج لا ينطبق على الحالة العراقية حيث سمح قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية بتسجيل اكثر من (300) حزب سياسي يمكنها من العمل في العملية السياسية ومنها المشاركة في الانتخابات .
اهداف وأبعاد الهندسة السياسية الانتخابية :-
لا تعني الهندسة السياسية والانتخابية بالضرورة ان تكون عمل حيادي ويساهم بترسيخ الديمقراطية، او اضافة قيمة إيجابية للعمل الديمقراطي بل ترتبط بأهداف القوى الفاعلة في اللعبة السياسية والانتخابية، خصوصا من يحدد ويتحكم بقواعدها، ولأن ذلك يتوقف على النتائج بالنسبة للمؤسسات السياسية وسلوك الفاعلين السياسيين ( الأحزاب والمنتخبين ) وفي إطار الهندسة الانتخابية والتصميم الديمقراطي، هناك مجموعة من الأهداف وكما يلي :-
الهدف الاول: تحسين القوانين والانظمة الانتخابية وهو هدف مباشر في الهندسة الانتخابية، ويرتبط به أهداف أخرى مثل رفع مستوى المشاركة الانتخابية لدى انظمة تعاني من العزوف الانتخابي اللافت للمواطنين مثل ظاهرة عدم إقبال المواطنين على الانتخابات في دول عريقة في الديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة، بعكس نموذج الانتخابات التركية حيث وصلت نسبة المشاركة بما يقارب (90%) تحسين جوانب متعلقة بسوء تمثيل فئات اجتماعية مثل تحسين تمثيل المراة على المستوى السياسي، ضمان مقاعد الاقليات والمكونات .
الهدف الثاني: تقوية نظام الاحزاب والتنظيمات السياسية وتندرج ضمنه مجموعة من الأهدف الأخرى المتعلقة بدور الأحزاب السياسية على المستوى الاجتماعي والحكومي، فمن ناحية العلاقة السببية المعروفة بين النظام الانتخابي والنظام الحزبي، حول تأثير النظام الانتخابي على النظام الحزبي حيث يتم تبني تصميم معين للنظام الانتخابي سيكون نتيجته نظام حزبي أكثر أو أقل استقرارا.
وهناك أهدف أخرى فرعية مثل تقوية الأحزاب السياسية الوطنية وتندرج فيها عدة استراتيجيات ( تقوية دور الأحزاب الممثلة على المستوى الوطني، استراتيجية ضبط وتحديد عدد الأحزاب السياسية الممثلة في المؤسسات التمثيلية المنتخبة ، تقوية التنظيمات الحزبية ) ونلاحظ ما تشهده بعض الدول من إدخال ( الانتخابات الأولية ) داخل الأحزاب السياسية، وهو هدف يندرج ضمن تجديد أساليب اختيار المرشحين والقيادات الحزبية وهذه الاجراءات وغيرها لتقوية الاستقرار الديمقراطي سواء في العملية الانتخابية او داخل البرلمان.
الهدف الثالث: تعزيز الاستقرار السياسي والاستقرار الحكومي، ذلك أن أهم مشكلة تواجه الحكومات البرلمانية هوعدم استقرارها نتيجة افتقارها للأغلبية المطلوبة ، وهذه المشكلة لا تعاني منها النظم الديمقراطية التي تتبنى (أسلوب الاغلبية ) مثل بريطانيا حيث تتبنى نظاما انتخابيا أغلبيا يقوم على دائرة الانتخابية ذات مرشح واحد، ونظام الفائر الأول يأخذ كل شيء، حيث ينتج عنها فوز الحزب الأول أو الحاكم بأغلبية مريحة تسمح له بالحكم دون اللجوء إلى عقد تحالفات حزبية حكومية لكن مشكلة تشكيل الائتلافات الحكومية تشهدها باستمرار النظم السياسية التي تتبنى انواعا من النظم النسبية أو المختلطة، حيث لا يتمكن الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى انتخابيا من الانفراد بتشكيل الحكومة دون الاستعانة بتحالفات مع أحزاب أخرى تسمح للحكومة بوجود أكثرية في البرلمان، وهذا النوع من التحالفات، يؤدي إلى عدم استقرار الحكومات وسقوطها كل ما طرأت أزمة سياسية حكومية بين أطراف الائتلاف وانسحاب أحد احزاب الائتلاف، بحيث يسهل على المعارضة إسقاط حكومة الأقلية، لكن هذه الأزمات تتفاقم كلما كان هناك عدد كبير من الأحزاب ممثلة برلمانيا، وكلما كان الحجم النسبي للحزب الأول صغيرا.
وفي العالم العربي يصعب الحديث عن وجود جودة سياسية ثابتة للديمقراطية او جودة للحكم، نظرا لغياب أي مؤشرات للتحول الديمقراطي، ومن جهة أخرى تصنف الدول العربية ضمن الدول الأقل جودة في الديمقراطية.
عناصر الهندسة الانتخابية :-
أن مسالة تصميم النظام الانتخابي الأنسب لبلد ما، مسالة ليست سهلة نظرا لوجود جملة من العناصر في الهندسة الانتخابية، وجملة من المتغيرات لا بد أن يدرسها الباحثون لصياغة البدائل المناسبة في حالة الاصلاح الانتخابي، فيرى بأن الهندسة الانتخابية ليست مجرد اصدار تشريعات انتخابية وانما هناك عناصر مهمة منها :-
1- بنية الاقتراع : ( كيف يقوم الناخبون بالاقتراع، العتبة الانتخابية ، مقدار الاصوات الانتخابية التي يمكن للأحزاب أو المرشحين الفوز بواسطتها والحصول على مقعد )
2- الصيغة الانتخابية : ( الصيغة التي يتم بها احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، مثل: قاعدة : الباقي الأقوى، التوزيع النسبي، نظام الفائز الأول ، …الخ )
3- حجم الدائرة الانتخابية : ( عدد المقاعد التي يتم التنافس عليها في الدائرة الانتخابية )
هندسة الانتخابات وهندسة النتائج :-
في النظم السياسية مثل تلك التي في العالم العربي كنماذج للنظم التسلطية التي صمدت أمام موجة التحول الديمقراطي في العالم، فإن الهندسة السياسية التسلطية لا تقتصر على الهندسة المتحيزة للقوانين الانتخابية، مثل التلاعب في تقسيم الدوائر او اصدار مواد قانونية للانتخابات تهدف الى اقصاء طرف او شريحة معينة ، كما في الانتخابات أو الهندسة الانتخابية في العراق والمتأثرة بالنموذج التوافقي، لكن من دون ديمقراطية في المضمون، وخاصة اجراء تعديلات مستمرة غير مدروسة على قوانين الانتخابات وحتى وصلت الى مرحلة تعديل القانون قبل ان يتم العمل به ولأكثر من مرة ولدت المزيد من العنف السياسي الموجه لخدمة مشاريع حزبية خاصة بدل الاندماج السياسي والاجتماعي.
هذه النتائج تشير إلى ان هناك مخاطر على وحدة المجتمعات العربية، فهناك اعتقاد شائع عند دارسي النزاعات الدولية خصوصا حالات الحرب الاهلية ذات الطبيعة الاثنية، وأن الهندسة الانتخابية هي من العوامل التي تساعد في إعادة بناء المؤسسات السياسية وتحسن من دور الأحزاب السياسية في إدارة النزاعات المحلية .
الديمقراطية وحل المشكلات المتعلقة بالاستقرار الحكومي وتحسين مشاركة المراة في الحياة والمؤسسات السياسية، لكن أهداف وأبعاد الهندسة الانتخابية في العالم العربي، أصبحت تندرج ضمن آليات إعادة أنتاج التسلطية، كما أن الانتخابات لم تنتج عنها الديمقراطية والاستقرار المؤسسي، وبالتالي أصبحت احد أدوات السيطرة الناعمة وامتداد لأساليب الهندسة السياسية القديمة عن طريق الانقلاب والعنف السياسي.
وتعتبر الهندسة الانتخابية واحدة من الطرق الأكثر انتشارًا والأكثر استخداماً في الوقت الحاضر، وهي تعني التغيير المصطنع في الدوائر الانتخابية، حيث يتم رسم تلك الدوائر بالشكل الذي يؤمن التغيير المصطنع لتوازن القوى السياسية فيها، اذ يتم إنشاء دوائر انتخابية ذات عدد غير متساو من الناخبين، أو انشاء دوائر جديدة من خلال ضم، أو دمج الموجود منها بعضها بالبعض الآخر، الأمر الذي يؤدي الى انتهاك مبدأ التمثيل المتساوي.
ويمكن أن يؤدي استخدام أساليب الهندسة الانتخابية هذه إلى نتائج إيجابية مختلفة، لكنها قد تكون غير فعالة في بعض الحالات وبالنسبة لجزءٍ من المرشحين المستقلين والاحزاب والتكتلات المساهمة في العملية الانتخابية. لذا يترتب على (مهندسي الانتخابات) حساب جميع النتائج المحتملة بعناية والتفكير في جميع الإجراءات المتخذة واحتمالات خضوعها للتغيير في أي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية.
ويمكن اعتبار الهندسة الانتخابية انتهاكًا مشرعناً لحقوق جمهور الناخبين، ذلك ان تفعيل الهندسة الانتخابية عادة ما يتم استنادا الى القوانين والسياقات التي تقرها القوى المتنفذة في الجهاز التشريعي للدولة (البرلمان) .
عوامل الهندسة الانتخابية :-
يقصد بعوامل الهندسة الانتخابية صياغة القواعد و الأطر و الآليات الكفيلة بضمان المشاركة السياسية الانتخابية الدورية للمواطنين في ظل اعتبارات النزاهة و الحرية و التعددية ، أي توفير العوامل والشروط الأساسية لشفافية و مصداقية الانتخابات على المستويات التنظيمية والتمويلية و الفنية والإجرائية و الإعلامية، أي أن الهندسة الانتخابية تقوم أساسا على توفير مجموعة من الشروط وهي كما يأتي :-
1- وجود هيكليةقانونية وحقوقية وطنية مركزة على مركزية الإنسان- المواطن كمصدر وغاية للعمل السياسي و مضمونة بآليات دستورية و قانونية واضحة .
2- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في بناء النظام الانتخابي ( قانون الانتخابات ، هيئة ادارة الانتخابات ، تقسيم الدوائر ، نمط تصويت …. الخ ) طبيعة المجتمع من حيث كونه متجانسا أو تعدديا.
3- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأحزاب السياسية و مستوى نضجها الديمقراطي .
4- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الامتداد الجغرافي للدولة و مستوى الكثافة السكانية و توزيع السكان .
5- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الدولة بكونها مركزية أو فدرالية .
6- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام السياسي و مكانة السلطة التشريعية فيه .
7- ضرورة مراعاة طبيعة الثقافة السياسية السائدة و المرتبطة بمستوى تعقد و تجذر التنمية السياسية المحلية من منظور معايير الديمقراطية التشاركية .
8- ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المستوى الفعلي و العملي للرقابة المؤسساتية على السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية .
9- ضرورة مراعاة مدى استقلالية السلطة القضائية و مدى قدرتها على فرض أحكامها على جميع مؤسسات الدولة .
الخلاصة :
يجب الاشارة الى ان سجالات مثيرة وجدلاً محتدما قد دار خلال السنوات الاخيرة بين العلماء والمتخصصين في الشأن الانتخابي، الذين يدعمون في الغالب، فكرة تطوير النظام الانتخابي وفق آليات الهندسة الانتخابية الحديثة، بما في ذلك ادخال الاساليب الرقمية وبين منظمات حقوق الإنسان التي يعتقد ممثلوها بأن اعتماد الهندسة الانتخابية المستحدثة لا يساهم، بشكل عام في عكس الصورة الحقيقية للتمثيل الشعبي ولا يعبر عن أسس الديمقراطية الحقيقية..
كما ارى أن جهل بعض القوى بأساليب الهندسة الانتخابية الحديثة واعتمادها الطرق التقليدية في كسب جمهور الناخبين كان السبب الرئيسي في خسارتها خلال السباق الانتخابي الاخير في العراق سواء على مستوى الانتخابات الاتحادية او انتخابات الاقليم.
لا تعليق