بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
سلط تقرير صحفي محلي الضوء على اتساع دائرة مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة في العراق، مشيراً إلى أن اتساع المقاطعة من شأنه أن يجعل الانتخابات “منزوعة الروح”، على حد وصفه.
التقرير نشره موقع باسنيوز، بعنوان: (المقاطعة تتسع والنظام لا يهتز.. العراق يتجه إلى انتخابات منزوعة الروح!)
نص التقرير:
تهبّ رياح المقاطعة مجددًا على الحياة السياسية في العراق مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في ظل مشهد انتخابي تتآكله الشكوك ويغيب عنه الأمل بالتغيير الجذري.
ومع إعلان تيار الخط الوطني، أحد الأحزاب الناشئة، مقاطعته الرسمية، وانسحابه من أي تحالف انتخابي، تفتح المرحلة المقبلة على تساؤلات جدّية حول جدوى المشاركة من جهة، ومخاطر الفراغ التمثيلي من جهة أخرى.
وسجّل تيار الخط الوطني، انسحابه السياسي عبر مؤتمر صحفي حذّر فيه من استمرار الحلقة المفرغة التي تدور فيها العملية السياسية منذ 2003، مؤكدًا أن الحوارات التي أجراها مع قوى وشخصيات لم تثمر عن مشروع إصلاحي حقيقي أو برامج قادرة على كسر المعادلات التقليدية.
ويعزو التيار انسحابه إلى جملة من الأسباب الجوهرية، على رأسها استمرار بعض القوى المتنفذة بالاحتفاظ بأذرعها المسلحة، ما يُجهض فكرة التنافس الديمقراطي ويحوّل الانتخابات إلى صراع قوى لا صراع برامج، كما انتقد القانون الانتخابي القائم بوصفه غير عادل ولا يتيح تكافؤ الفرص، فضلًا عن استغلال موارد الدولة في الحملات الانتخابية، وغياب الرقابة المستقلة على عمل المفوضية.
نغمة المقاطعة
ويحذّر مراقبون من أن تصاعد نغمة المقاطعة قد يؤدي إلى برلمان فاقد للتمثيل الوطني الكامل، ويعيد إنتاج سلطة الأمر الواقع، خصوصًا إذا ما تكررت سيناريوهات انتخابات 2005 أو 2021 التي شهدت انسحاب مكونات أساسية.
بدوره، أوضح الباحث في الشأن السياسي عادل الجبوري، أن «خطورة هذه المقاطعة لا تكمن فقط في حجمها أو الجهات التي تتبناها، بل في طبيعة الرسالة التي تبعثها للداخل والخارج، فهي تؤكد انعدام الثقة بالعملية برمتها، وتكشف عن هشاشة الشرعية السياسية التي تتكئ عليها النخب الحاكمة».
وأوضح الجبوري لـ (باسنيوز)، أن «السلطة تدرك تمامًا أن نسبة المشاركة المتدنية تُفقدها الغطاء الشعبي، لكنها تراهن على ضعف البدائل لا على إصلاح حقيقي، وهو ما يُفرغ الديمقراطية من معناها».
ويتواصل تآكل البيئة الانتخابية عبر مشهد انتخابي مرتبك، تُهيمن عليه القوى التقليدية بمزيج من المال السياسي والولاء الزبائني، بينما تُقصى الحركات الناشئة بفعل تعقيدات القانون ونفوذ شبكات المصالح، كما تُحاصَر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باتهامات مستمرة بعدم الحياد، وغياب الشفافية، ما يُضعف من مصداقيتها في أعين المواطنين والمرشحين المستقلين.
ويُعيد سلوك المقاطعة طرح سؤال قديم يتجدّد كل دورة انتخابية، عن جدوى الانسحاب وفيما إذا كان أداة ضغط قوية أم انسحاب من التأثير، حيث تشير تجارب العراق السابقة، كما تجارب دول أخرى ذات أنظمة هجينة، إلى أن المقاطعة تظل سلاحًا محدود القوة، ما لم تُقترن بمشروع سياسي بديل وقوة تنظيمية قادرة على ملء الفراغ.
وهنا يرى الباحث في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي، أن «الانسحاب دون بدائل ملموسة يجعل الكتل النافذة أكثر تحررًا من أي مساءلة، ويمنحها فرصة تمرير سياساتها من دون مقاومة مؤسسية أو ضغط سياسي فعّال».
وأضاف لـ (باسنيوز)، أن «المقاطعة قد تفقد معناها حين تتحوّل إلى طقس احتجاجي خالٍ من أدوات التغيير، وتغيب عنها القيادة الواضحة، أو الرؤية الاستراتيجية التي تُحوّل الغضب الشعبي إلى فعل منظم قادر على التأثير في موازين القوى، لا مجرد انسحاب يملأه الآخرون بثقة واستعداد».
تعب سياسي
وتصطدم دعوات المقاطعة بجدار من عدم الاكتراث الشعبي المتزايد، حيث تنمو حالة عامة من التعب السياسي والسأم من الشعارات المتكررة، ما يحوّل المقاطعة من موقف سياسي منظم إلى سلوك فردي عفوي غير منتج.
وتتنامى هذه الظاهرة في ظل قناعة راسخة لدى شرائح واسعة من العراقيين بأن الانتخابات لن تغيّر شيئًا، وأن النخب الحاكمة قادرة على تدوير ذاتها مهما بلغت مستويات المعارضة أو العزوف.
ويتجلّى القلق الأكبر في أن تؤدي هذه المقاطعة إلى تضخيم حصة القوى التقليدية داخل البرلمان، نتيجة تراجع التمثيل النوعي لقوى التغيير، ما يُعيد إنتاج منظومة الحكم القائمة بدل تفكيكها، كما يزداد هذا الخطر مع غياب أي جبهة موحدة أو خارطة طريق بديلة، قادرة على ترجمة السخط الشعبي إلى مشروع سياسي متماسك.
ويشير مراقبون إلى أن المقاطعة الانتخابية، كي تكون أداة فعّالة في مواجهة النظام القائم، يجب أن ترتبط بجبهة سياسية موحّدة تملك مشروعًا اجتماعيًا واقتصاديًا واضحًا.
ويُعيد هذا الوضع إلى الأذهان تجربة احتجاجات تشرين 2019، حين تحوّلت الانتفاضة الشعبية إلى لحظة سياسية فارقة، لكن دون أن تتمخض عن تيار سياسي موحد قادر على ترجمة الغضب الشعبي إلى تمثيل برلماني، ومع غياب هذا التمثيل، عادت السلطة إلى إنتاج نفسها بعد عامين فقط، رغم الخسائر الرمزية التي منيت بها بعض القوى.
وعود خدمية وشبكات زبائن
وتُظهر ملامح الحملة الانتخابية المبكرة أن الكتل التقليدية باشرت تعبئة قواعدها بأدواتها المعتادة، مستخدمة المال السياسي والوعود الخدمية وشبكات الزبائنية، فيما تفتقر القوى الجديدة إلى التمويل والتنظيم والغطاء الإعلامي.
ويُتوقّع أن تسهم المقاطعة في خفض نسبة المشاركة الكلية، ما يُضعف شرعية النتائج في نظر الرأي العام، لكنه في الوقت نفسه يمنح الكتل المتنفذة فرصة تعزيز تمثيلها من خلال قواعدها المنظمة.
ويُمثّل هذا الواقع اختبارًا حرجًا للقوى المدنية والتغييرية، التي ما تزال عاجزة عن الاتفاق على قيادة موحدة أو صيغة تحالفية تسمح لها بدخول البرلمان بشروطها.
ويُظهر المزاج الشعبي العراقي علامات تململ وتشكّك متزايد من جدوى العملية السياسية، دون أن يصل إلى حد القطيعة المنظمة، حيث يتعامل الجمهور بواقعية متشائمة، إذ يدرك محدودية التغيير من داخل النظام، لكنه لا يجد بديلاً مؤسسيًا واضحًا.
وبين العزوف والمشاركة الصامتة، تتشكّل انتخابات بلا روح، تُكرّس الانقسام وتُجهز على أي حلم بانتقال ديمقراطي فعلي.
لايوجد تعليق