بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
أشار تقرير صحفي، نشرته صحيفة دولية إلى أن الانتخابات المقبلة تمثل بالنسبة لإيران الميدان الأخير في حرب النفوذ التي تخوضها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسعى طهران وفقاً للتقرير لتثبيت حضورها الذي تعمل واشنطن بالمقابل على تقييده من دون خوض مواجهة مباشرة، مبيناً أن إيران تدير نفوذها في العراق بهدوء محسوب، من خلال حلفاء متجذرين داخل الدولة، ما يمنحها نفوذاً مستقراً مقارنة بتراجعها في بقية ساحات الشرق الأوسط.
التقرير نشرته صحيفة اندبندنت عربية، بعنوان (انتخابات العراق… ميدان إيران الأخير في حرب النفوذ)
نص التقرير:
في وقت تعيش فيه إيران تحت غبار الانهيارات المتتالية لمشروعها في الشرق الأوسط، تبقى أعينها مفتوحة على العراق، بوصفه “الحصن الأخير” من حصون نفوذها، مما يدفعها إلى النظر لانتخاباته البرلمانية المقبلة باعتبارها “الأداة الأخيرة” لدرء أخطار الانهيار الكامل.
تأتي الانتخابات التشريعية في العراق المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في توقيت يضع ثقلاً أكبر على البلاد، إذ باتت تخرج من كونها مجرد استحقاق محلي، إلى ساحة مواجهة وورقة تفاوض، إذ تعمل طهران على الحفاظ على نفوذها في مقابل مساعي واشنطن إلى إغلاق المنفذ الحيوي الأخير لها، اقتصادياً وجيوسياسياً، أو في الأقل ضبط إيقاعه.
وعلى ظلال تلك السيناريوهات، يبرز مسار بات يشغل الفاعلين السياسيين من جميع الأطراف، يتمثل في أن يكون العراق “ورقة تفاوضية” رئيسة، خصوصاً أن ثمة من يرى إمكان عدم معارضة واشنطن استمرار نفوذ طهران في البلاد لكن بصورة أقل حدة، مع ضمانات بعدم المساس بالمصالح الاستراتيجية لواشنطن في العراق.
ولعل هذا الأمر هو الذي يرجح تشكل المعادلة الإيرانية الجديدة، بحسب فاعلين سياسيين ومراقبين، التي تتمثل بحماية النفوذ الإيراني من خلال الانخراط في الدولة لا مواجهتها.
نفوذ من الظل
فقدت طهران كثيراً من سطوتها على الساحة العراقية منذ اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني مطلع 2020، الذي لم يكن يمثل فقط عماد السيطرة على الجماعات المسلحة الشيعية، بل كان محوراً رئيساً في صناعة السياسة وتشكيل الحكومات المتعاقبة، بل والتدخل حتى في أبسط التفاصيل فيها.
ودفع هذا الأمر طهران، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين مع بداية تفكك نفوذها في المنطقة، إلى تبني تكتيك جديد يعتمد على التحكم من خلف الستار، وإعطاء حرية أكبر لوكلائها في التصرف، في الأقل في التفاصيل المحلية.
في العراق، وفي ذروة التصعيد والانهيارات التي شهدها محور إيران في المنطقة، سلكت الميليشيات والأحزاب الموالية لها مساراً مختلفاً، خصوصاً خلال العام الأخير، إذ عملت على التهدئة والابتعاد تدريجاً، بعد موجة تصعيد خلال السنة الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عن أي حراك يؤدي إلى المواجهة، وهو ما أشيع أنه جاء بناء على فتوى من المرشد الإيراني.
ويسلط هذا الأمر أعباء إضافية على حلفاء إيران في العراق، فبينما تحاول طهران تعزيز نفوذها، تجد تلك الأحزاب نفسها مضطرة إلى التكيف إلى حد ما مع الضغوط الأميركية الصارمة. ولعل هذا ما دفع إلى السطح تسريبات تحدثت عن فتوى أصدرها المرشد الإيراني علي خامنئي لتلك الجماعات، تتيح لها اتخاذ قرارات تجنبها أي صدام أو خسائر واسعة، بحسب تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” مطلع أبريل (نيسان) الماضي.
وأشار التقرير إلى “اشتداد قبضة هذين المسارين” مع المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران، وهو ما يعزز الحديث عن أن العراق ربما يمثل الورقة الوحيدة التي تمتلكها طهران في المنطقة وتستخدمها واشنطن لضمان تنازلات أكبر.
واشنطن من الانسحاب إلى الإدارة عن بعد
على رغم أن الولايات المتحدة لم تعد حاضرة بصورة مباشرة في العراق، إلا أنها ما زالت تراقب وتمتلك كثيراً من مفاتيح اللعب وأدوات الضغط.
وبالتزامن مع كل الضغوط والخسائر التي تحيط بطهران، تتحرك واشنطن بخيارات متعددة لإرباك مشهد النفوذ الإيراني بصورة أكبر، وتحديداً في العراق، إذ بالتزامن مع مفاوضات الملف النووي، تقدم عضوان جمهوريان بمشروع قانون لـ”تحرير العراق من إيران”، وهو الأمر الذي يسلط ضغطاً إضافياً ليس على إيران فحسب، بل على حلفائها الممسكين بالسلطة.
وينص مشروع القرار على وقف أي دعم للعراق، في حال عدم حل الميليشيات المرتبطة بإيران.
أما بالنسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي طرح مراراً فكرة الانسحاب الكامل من العراق في السابق، بوصفه “عبئاً جيوسياسياً وإنفاقاً بلا طائل”، ربما يدفع باتجاه استخدامه كورقة تفاوضية تمكنه من الحصول على مكاسب أكبر في المفاوضات الجارية مع إيران، في مقابل ضمانات بما يتعلق بالمصالح الأميركية وحل الميليشيات وعدم جعلها منطلقاً لإرباك أمن المنطقة، أما ما عدا ذلك فهي تفاصيل ربما تغض عنها واشنطن الطرف، بحسب مراقبين.
واشنطن وحاكم المنطقة الخضراء
في السياق يرى رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة “غالوب الدولية” منقذ داغر أن المشهد العراقي “لا يزال يشكل قاسماً مشتركاً بين الولايات المتحدة وإيران، لكنه لم يعد يمثل الأهمية العظمى لواشنطن كما الحال بالنسبة إلى طهران”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية” أن إيران ما تزال تنظر إلى العراق بوصفه “عمقاً استراتيجياً لا يمكن التفريط به”، مرجحاً أن اتفاقاً جديداً لن يكرر سيناريوهات سابقة، في ظل “تراجع أدوات النفوذ الإيراني، وتقدم واشنطن بأوراق ضغط أكثر فاعلية”.
ويشير داغر إلى أن الإدارات الأميركية المعنية بالملف العراقي باتت أكثر تشدداً، مما “يضعف الموقف الإيراني ويقلص من قدرته على المناورة”.
وعلى رغم تأكيد داغر أن الولايات المتحدة باتت “الأقرب إلى ترجيح كفة من سيحكم المنطقة الخضراء”، إلا أنه لا يذهب إلى حد الحديث عن نهاية النفوذ الإيراني، بل يذكر بأن “طهران، حتى وإن انكفأت، لا تزال تحتفظ بأدوات قادرة على تحريك المشهد إن أرادت”.
من الميليشيات إلى “الشرعية الانتخابية”
شهدت الميليشيات المسلحة في العراق خلال الأعوام القليلة الماضية تحولات كبرى، بدءاً من محاولات “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” الموالي لإيران إبعاد المظاهر المسلحة عن الشارع قدر الإمكان، لخلق قبول شعبي أكبر لحكومته، وصولاً إلى تبني خطاب أقل حدة، وهو ما يفسره مراقبون بوصفه “تكتيكاً للكسب السياسي”، فيما تزال خيارات السلاح قائمة لدرء أي أخطار تهدد هذا المشروع.
وتبقى إيران قلقة من احتمالية انقلاب هذا التوازن، خصوصاً في ظل تصعيد الضغوط الأميركية، التي تقرأ في طهران على أنها جزء من مفاوضات أوسع مع واشنطن، لن تقتصر على الملف النووي، بل سيكون العراق حاضراً فيها باعتباره ساحة تأثير حيوية للطرفين.
يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن العراق “ما زال يشكل أهمية استراتيجية قصوى لطهران”، بوصفه “نقطة ارتكاز مركزية في مشروع نفوذها الإقليمي”. وهذا ما يدفعها، برأيه، إلى التعويل بصورة كبيرة على الانتخابات المقبلة، بخاصة أن “حلفاءها الشيعة لا يزالون يمتلكون اليد العليا في التحكم بالبرلمان ومفاصل الدولة، في مشهد يكرر إلى حد كبير تجربة عام 2021”.
ويشير الشمري إلى أن هذه الهيمنة تتيح لطهران “أوراقاً تفاوضية” كبرى مع واشنطن، وتبقي العراق ضمن دائرة “الحليف الموثوق”، كما تبقي الفصائل المسلحة “جاهزة للاستخدام متى اقتضت الضرورة”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “قد لا تبدو طهران حاضرة في العلن، لكنها تراقب بدقة عبر مسؤولي الملف العراقي، ومن خلال قنوات خفية تضبط إيقاع التوازنات الداخلية”.
ويعتبر الشمري أن التراجع الظاهري للدور الإيراني في العراق يمثل “محاولة مدروسة لتجنب المواجهة في لحظة إقليمية تشهد إعادة هيكلة شاملة، وتتجه نحو تقليص النفوذ الإيراني في عدد من الدول العربية”.
وعلى رغم ذلك، يعتقد الشمري أن إيران ستبقى متمسكة بالعراق بوصفه “الجبهة الأخيرة”، خصوصاً أنها ربما الجبهة الوحيدة التي “تدير حضورها فيه بهدوء محسوب”.
عودة مقلقة
وتمثل العزلة الطوعية التي لا يزال يختارها التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، تعميقاً للفراغ الذي تستمر قوى “الإطار التنسيقي” ومن خلفها إيران باستثماره، إلا أن عدول التيار عن قرار المقاطعة سيظل هاجساً مقلقاً لطهران وحلفائها.
وفي ما يخص موقف التيار الصدري يقول الشمري إن احتمالية عودته تبقى قائمة في أية لحظة، إلا أن إيران مرتاحة لوضوح “الخطوط الحمراء” لدى حلفائها، وتدرك أن “مسار العملية السياسية يسير حتى الآن ضمن ما رسمته”.
ويستبعد أن يكون التدخل المباشر من طهران ضرورياً، “إلا إذا طرأت تعقيدات غير متوقعة بعد إعلان النتائج”.
ويؤكد أن “طهران لم تعد تحكم قبضتها على الانتخابات فحسب، بل باتت تتحكم في مجمل المعادلة السياسية العراقية، من خلال حلفاء تمكنت من ترسيخهم في بنية الدولة”، وهو الأمر الذي يجعل نفوذها في العراق “من بين الأشد استقراراً في المنطقة، مقارنة بتراجعاتها في ساحات أخرى”.
في نوفمبر المقبل، سيتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع، ليس فقط لاختيار ممثليهم، بل سيقررون شكل النفوذ الإقليمي في بلادهم.
لايوجد تعليق