بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
أعلنت مبادرة “عراقيون”، مساء اليوم الاثنين، موقفها من الانتخابات، مبيّنة أن بيان إعلان الموقف الموقّع من مئة شخصية يحذّر من فقدان شرعية الانتخابات ويدعو إلى حل مشكلة عدم تطبيق قانون الأحزاب، ومشكلة النظام الانتخابي ومخرجاته، فضلاً عن مشكلات قانون الانتخابات لسنة 2018 وتعديلاته، مقدمة 10 نقاط مقترحة للمعالجة والحلول اللازمة.
نص الإعلان:
موقف مبادرة “عراقيون” من الانتخابات
استبشر العراقيون بالتغيير بعد العام 2003 لاستعادة حقوقهم وحرياتهم المسلوبة، وممارسة الحق الانتخابي لتغيير السلطة وإجراء المساءلة المجتمعية، لكنّ الاصرار على إقامة الانتخابات من دون أسس عادلة وسليمة، والخروق المتزايدة للديمقراطية والحريات العامة، تسببت بخيبة وانتكاس كبيرين، وأدت إلى العزوف الشعبي التدريجي عن المشاركة في التصويت، فضلاً عما آلت إليه النتائج في أكثر من مناسبة، بظهور احتكاك كبير بين القوى السياسية، وتعريض البلاد إلى حافة حرب أهلية.وفي الوقت الذي تؤكد فيه مبادرة «عراقيون» أنّ المشاركة والمقاطعة كليهما حق إنساني ودستوري محترم، إلا أننا ارتأينا إعلان موقفنا من القضايا والأسباب التي قوّضت المشاركة الواسعة في الانتخابات، ووضعت علامات استفهام كبيرة على نزاهتها وقدرتها التمثيلية أمام الجمهور العراقي والرأي العام الدولي:أوّلاً – ما قبل الانتخابات: مشكلة عدم تطبيق قانون الأحزابتسبب عدم تطبيق قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، بهيمنة قواعد عمل خفية تمنح الأحزاب المسلحة والممولة تمويلاً غامضاً قدرة أقوى من غيرها، ليس للفوز في الانتخابات فقط، وإنما للتحكم في صياغة النظام الانتخابي وقوانينه، بما جعل الحياة الحزبية في العراق تفتقر للعدالة والشفافية والعمل السياسي الحرّ. وإننا لَنستغرب حقاً إصرار مؤسسات إنفاذ القانون على عدم تطبيقه، وإبقاء المشهد السياسي في حالة فوضى، وتمكين لقوى سياسية دون أخرى. نورد فيما يأتي شواهد لذلك:1. أدى عدم تطبيق المواد 8 و47 المتعلقة بحظر الكيانات السياسية ذات الأجنحة والتنظيمات المسلحة، إلى نشوء ظاهرة «الحزب المسلّح»، وقيام كيانات سياسيّة تجمع بين الموقف السياسيّ والسلاح والترشيح في الانتخابات ومقاعد مجلس النواب والعمل الحكومي، في مخالفة صريحة أيضاً للمادة 9 من الدستور.2. أدّى عدم تطبيق المادة 46 القاضية بمعاقبة إدارة أو تمويل الأحزاب غير المرخصة، إلى قيام حركات وتيارات عديدة بممارسة العمل السياسي بدافع الوصول إلى السلطة، من دون اكتساب الصفة الرسمية للحزب.3. أدّى عدم تطبيق المادتين 39 و40 من القانون، إلى عدم معرفة مصادر تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية، بما في ذلك التمويل القادم من خارج البلاد، وقد بلغ الإنفاق الانتخابي عند بعض المرشحين ملايين الدولارات، أمام مرأى دائرة الأحزاب في المفوضية العليا للانتخابات، وديوان الرقابة المالية، والمؤسسات المعنية.4. أدّى عدم تطبيق المادة 25 إلى استغلال موارد الدولة من المسؤولين وأعضاء المجالس المنتخبة و«ولاة» الأحزاب الحاكمة في الوزارات والمؤسسات والمحافظات، في العمل السياسيّ والحملات الانتخابية.5- تأكيداً للنقطة (1) في أعلاه، أصبح التصويت الخاص للقوى الأمنية مجالاً لتأثير «الأحزاب المسلحة» على منتسبي هذه القوى من أجل حيازة أصواتهم، وقد أشارت لهذا الخرق تقارير لشبكات مراقبة دولية ومحلية، من دون تحقيق مستقل وإجراءات رادعة.ثانياً: مشكلة النظام الانتخابيّ ومخرجاته:1- منذ إقرار الدستور الدائم، فضّلت القوى السياسية الصفقات التوافقية على الاستحقاق الدستوري، وجرى تفسير «الكتلة الفائزة الأكبر» بطريقة لا تعكس ترتيب القوائم في الصندوق الانتخابي، وأصبح الناخب يتوقع حدوث تفسيرات دستورية جديدة مع كلّ انتخابات، كما حدث في تفسير «الثلث المعطّل» في الانتخابات الأخيرة (2021)، فتشكّلت الحكومات من الخاسرين، لا الفائزين، وهذا كلّه جعل الناخب يدرك أن التصويت لا يغيّر السلطة فعليّاً.3. منذ تشكيل المفوضية العليا للانتخابات قبل أكثر من عشرين عاماً، وهي مرتهنة لمحاصصة القوى الحاكمة، سواءٌ في تشكيل مجلس مفوضيها، أو في عملها، فضاعت استقلاليتها، وضعفت رقابتها، وشكّك الجمهور في إجراءاتها.4. مع كلّ انتخابات، يؤدّى تأجيل إعلان النتائج النهائية بشكل مستمر، إلى تعميق الهواجس والشكوك بقدرة قوى السلطة على تمرير تسوياتها السياسية، والالتفاف على الإرادة الشعبية، وتترك المجال لما يتم تناقله دائماً عن الصفقات السرية، وشراء المقاعد الفائزة، وتغيير خارطة النتائج لصالح المستفيدين.ثالثا: مشكلات قانون الانتخابات لسنة 2018 وتعديلاته1. مع كلّ عملية انتخابية، يظهر تعديل جديد لقانون الانتخابات، بدافع من القوى الحاكمة للبقاء في السلطة. فتارةً نذهب إلى احتساب العراق دائرة واحدة، وتارةً نجعل كلّ محافظة دائرة، ثم نجعل كلّ محافظة دوائر متعددة، ثم نعود فنجعلها دائرة واحدة، ناهيك عن تغيير آليات احتساب الفائز والخاسر داخل القائمة، وكأن القانون في عملية تجريب مستمر، وهذا ما أفقد ثقة المواطن بنوايا القوى السياسية وبالآليات الانتخابية.2. إن اعتماد قانون الانتخابات على معامل سانت-ليغو المعدل “1.7” يحرم القوائم الصغيرة من منافسة القوائم والتحالفات الكبيرة التي تستحوذ على المقاعد، مما يهدر آلاف الأصوات ويولد جمهورا لا يجد ممثلا له داخل البرلمان، وهذا يتعارض مع روح المادة 20 من الدستور التي تكفل “فرصا متكافئة” للترشح، كما أن السماح للتحالفات بتقديم ضعف عدد المرشحين لكل دائرة انتخابية، يتناقض مع المعايير الدولية للانتخابات لضمان التمثيل الحقيقي لأصوات الناخبين وإرادتهم الحرة ويخالف مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المكفولة دستوريا.3. جعل المحافظة دائرة واحدة يقضي على فرصة الأقضية الطرفيّة والأقليات في اختيار ممثلين يمثلونها مباشرةً في مجلس النواب، ما يؤدي إلى تغييب واضح لجوهر المساءلة المجتمعية للنائب أمام ناخبيه.4. من علامات اضطراب التعديل الأخير أنّه يشترط بلوغ عمر المرشح 30 سنة، مخالفاً بذلك قانون الأحزاب الذي سمح بتأسيس الحزب السياسيّ لمن بلغ 25 سنة. هذا التناقض يبعث برسالة مفادها استبعاد الكفاءات الشابة، وأن الترشيح للانتخابات، بخلاف باقي الاستحقاقات، مُحتكر لجيل محدد.5. تُحتَسب مقاعد النساء بثلاث آلياتٍ متناقضةٍ بين نص قانون الانتخابات، نظام المفوضية، واجتهاد الهيئة القضائية. وهذا يؤدي إلى طعونٍ وتأجيل إعلان النتائج، وقد يُقصي مرشحاتٍ فائزات بحكم الأصوات استنادا إلى تفسيرٍ إجرائيّ بحت.6. إن مقاعد الكوتا للأقليات مفتوحة لتصويت ناخبي القوائم الكبرى في المراكز، فتنتهي غالبا إلى ممثلين لا يعكسون الصوت الحقيقي للمكوّن الصغير. ويشكّل هذا إخلالاً فادحا بمبدأ التعددية الثقافية المنصوص عليه دستوريّاً.7. هناك أحكام استبعاد فضفاضة، إذ يمكن حرمان المرشح من المشاركة إذا طُبِّقت عليه قوانين المساءلة والعدالة أو نُسبت إليه تهم فساد، حتى وإن لم يصدر حكمٌ قضائيّ بات. الأمر الذي فتح الباب أمام إقصاءٍ سياسيّ لا قضائيّ، وعزّز الشعور بانتقائية العدالة.8. فرض التحديث البايومتري داخل البلد، جعل تصويت العراقيين المقيمين في خارجه شبه مستحيل، في استبعاد وخرق لحقوقهم الدستورية الأساسية.9. إن السماح للأشخاص المشمولين بارتكاب جرائم سرقة المال العام والإرهاب بالمشاركة في الانتخابات بعد العفو عنهم، يأتي مخالفا للمادة 6 من قانون الانتخابات المعدل رقم 4 لسنة 2023.ثالثاً: مقترحات المعالجة والحلول1. التطبيق الفوريّ لقانون الأحزاب، وتتحمل دائرة الأحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية تسويف هذا التطبيق، والبدء بمراجعة شاملة لملفات الأحزاب المسجلة لتبيين مدى تطابق وجودها وعملها مع مواد هذا القانون، مع كشف ذمتها المالية بشكل كامل، وحظر الكيانات والأحزاب التي تمتلك قوى وأجنحة مسلحة.2. وضع آلية شفافة لاختيار مجلس المفوضية بعيداً عن المحاصصة الحزبية، بمشاركة منظمات محلية مستقلة.3. حصر الاستبعاد بالأحكام القضائية الباتّة، حمايةً لحق الترشح ودرءاً للتسقيط السياسي الممنهج.4. إصدار نظام للإنفاق المالي في الانتخابات، يحدد سقف الإنفاق، ويلزم المرشحين والقوائم الانتخابية بنشر كشوفاتهم ماليّاً قبل فترة الصمت الانتخابي.5. خفض معامل سانت-ليغو إلى 1.0 أو 1.2 لضمان توزيعٍ عادل للمقاعد وتمكين القوائم الصغيرة والمرشحين المستقلين من التنافس المتكافئ والمشاركة الفاعلة.6. تقسيم المحافظة إلى دوائر صغيرة أو متوسطة يرتبط فيها الناخب بنائبٍ لمساءلته، مع ضمان تمثيل الأقليات عبر دوائر مخصصة لا تلتهمها الكتل الكبرى.7. تمديد وتبسيط إجراءات البطاقة البايومتريّة وخيار التصويت المشروط للداخل، والتصويت الإلكتروني أو البريدي لعراقيّي الخارج.8. إعادة سنّ الترشح إلى 25 سنة، وضمان عدم تعارضه مع قانون الأحزاب.9. توحيد نصوص كوتا النساء في مادةٍ واحدةٍ واضحة، وتثبيتها في القانون لا في تعليمات قابلة للتأويل.10- الالتزام بقانون المفوضية رقم 31 لسنة 2019 الذي يحدد المدد الزمنية للطعون وإعلان النتائج النهائية في مدة عشرين يوماً، والعمل مستقبلاً على تقليل هذه المدة.إن مبعث صدور هذا الإعلان يتمثل في تراجع ثقة العراقيين بالعملية الانتخابية، والعزوف الشعبي المتزايد عن المشاركة، وبناءً على ذلك يحذّر الموقعات والموقعون في البيان، من أنّ تفاقم فقدان الشرعية الشعبية للانتخابات، سيؤدي إلى زعزعة أركان العملية السياسيّة برمتها، وأنّ إصرار قوى سياسيّة محدودة على احتكار السلطة، وتغوّل مالها السياسي، وعدم تطبيق قانون الأحزاب، وغياب صياغة عادلة لقانون الانتخابات، ستؤدي جميعها إلى إفراغ الديمقراطية في العراق من محتواها.لذلك نهيب بجميع القوى الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات المؤثرة في المجتمع، وسائر العراقيين الأحرار، أن يجعلوا المشكلات التي أشار إليها هذا الإعلان معياراً لا يقبل المساومة، من أجل إقامة بيئة سياسيّة وانتخابية حقيقية، تستعيد ثقة المواطنين، لا بالانتخابات وحدها، وإنما بمجمل النظام السياسيّ الحاليّ.
لايوجد تعليق