عامر حسن فياض في مقال: يجب تغليب الكفاءة على الاعتبارات الحزبية في الانتخابات وما بعدها

3

بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية

كتب الأكاديمي عامر حسن فيّاض، مقالاً باسم “الديمقراطيَّة النقيَّة”، أشار فيه إلى أن عناصر الحكم الصالح والديمقراطية ترتبط بضرورة اختيار الكفاءة في الانتخابات أو التعيين في المناصب لاحقاً، منتقداً الديمقراطية في حال تغليبها للاعتبارات الحزبية داخل البرلمان على اعتبارات الكفاءة وحرمانها من ممارسة دورها الفعال في المجتمع. 

نص المقال:

حدد المفكر الانجليزي (جون ستيوارت ميل 1808-1873م) عناصر الحكم الصالح مؤكداً ان العنصر الاول فيها هو مقدار ما يتمتع به الافراد الذين يتكون منهم المجتمع من فضيلة وذكاء. والسؤال الاول حول اية مؤسسة سياسية هي المؤسسة الصالحة ؟ وهو سؤال عن مدى تأثير هذه المؤسسة في تنمية الصفات الاخلاقية والعقلية المرغوبة في افراد المجتمع. 

اما حجر الاساس للشرف الذي تستطيع ان تناله مجموعة من المؤسسات السياسية، فانه يتكون في جزئه الاول من درجة تشجيع هذه المؤسسات للتقدم العقلي العام للمجتمع، ويتكون في جزئه الثاني من درجة الكمال الذي بلغته تلك المؤسسات في تنظيم مستوى الجدارة العقلية والاخلاقية والفكرية السائدة، وافضل وجه توفر به الحكومة مثل هذه العناصر، هو توفيرها الامكانية لكل فرد لإنماء ملكاته وعليه فان المحافظة الشديدة على حرية الفكر وحرية العمل هي انفع ما تستطيع الحكومات القيام به من الواجبات، وأهم ما تحدده لنفسها من الاهداف ولكن اي نوع من الحكومات يمكن ان يحقق هذه الاهداف؟.

لقد تمسك (ستيوارت ميل) من حيث المبدأ بنظام الحكم الديمقراطي، الذي تكون فيه المؤسسات الاكثر شعبية مفتوحة امام الجميع وليس امام بعضهم فحسب، حتى لو كان هذا الأالتي تتسبب في طغيان الأكثرية التي تحدث عنها المفكرون السياسيون بوصفه أحد الشرور التي ينبغي ان يحذر منها المجتمع الذي يتطلع إلى ديمقراطية نقية. 

وقد انطلق (ميل) في نقده للنظام الديمقراطي عندما يقوم على حكم الاكثرية وأشار إلى وجود رأيين مختلفين حول معنى الديمقراطية الاول تخص الديمقراطية النقية أو الخالصة وتعني حكم الشعب كله بواسطة الشعب كله ممثلا تمثيلا متساوياً لتكون الديمقراطية مرادفة للمساواة بين المواطنين جميعاً والرأي الثاني يخص الديمقراطية كما يفهم عامة الناس وتعني حكم الشعب كله بواسطة اكثرية منه، ممثلاً تمثيلاً للجميع من قبل هذه الاكثرية لتكون الديمقراطية مرادفة لحكومة الاكثرية العددية، التي تمتلك وحدها عملياً كل صوت الدولة. 

واعتقد (ميل) ان حكم الاكثرية بعيد عن المساواة خصوصا عندما تشكل الاكثرية كتلة ولا يمنع ان تكون هذه الكتلة متمثلة بحزب أو قومية أو مذهب وفي مثل هذه الحالة ستكون هذه الاكثرية هي التجسيد الفعلي لإستبداد الاكثرية، وفي كتابه (بحث في الحكومة التمثيلية) يشير (ميل) إلى ان من شأن الاقتراع بالاكثرية ان يحرم النخبة المثقفة من التمثيل داخل البرلمان بوصفها اقلية في حين ان هذه النخبة (الاقلية) يجب ان يكون لها ممثلوها داخل البرلمان، فاذا لم تتيهأ لهذه الاقلية فرصة وصول ممثليها إلى البرلمان فسيكون سبب ذلك هو السياسة الحزبية. 

وهكذا بقي (ميل) ينتقد الديمقراطية من حيث تغليبها للاعتبارات الحزبية داخل البرلمان على اعتبارات الكفاءة سواء في الانتخابات أو عند التعيين للمناصب الادارية وبذلك تحرم من ممارسة دورها الفعال في المجتمع. وان مثل هذه السلبيات، التي تعاني منها الديمقراطية تثير الشك في القيمة المطلقة للحرية الفردية كقاعدة ثابتة للديمقراطية مما يفسر ابتعاده التدريجي عن تأييد المعتقدات الليبرالية المطلقة لينتهي إلى الايمان بأن الحرية الاقتصادية لوحدها لا تجلب معها الحرية الصحيحة بالضرورة. وأن الحرية الصحيحة عنده لا يمكن تلمسها في غير الديمقراطية النقية، التي لا تقتصر على الحرية في بعدها الاقتصادي فحسب، بل في ابعادها المجتمعية الاخرى السياسية والاجتماعية والثقافية. 

وعند كل ذلك لا ديمقراطية من دون استقلال سياسي ولا ديمقراطية من دون عدالة اجتماعية. 

لايوجد تعليق

Leave a Reply