سؤال كل انتخابات في العراق: هل للمقاطعة جدوى؟.. تقرير لإندبندنت عربية

12

بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية

نشر موقع (إندبندنت عربية)، تقريراً حول جدوى المقاطعة في الانتخابات العراقية، للصحفية العراقية غفران يونس، حيث ركز التقرير على دعوات التيار الصدري وأحزاب تشرين بمقاطعة الانتخابات وجدوى هذه الدعوات المرتبطة بمطالب حضر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفاسدين.

التقرير حمل عنوان (سؤال كل انتخابات في العراق: هل للمقاطعة جدوى؟)

نص التقرير:

سؤال كل انتخابات في العراق: هل للمقاطعة جدوى؟

يدعو إليها التيار الصدري وأحزاب تشرين ويطالبون بحصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفاسدين

ملخص

“المقاطعة ليست وليدة اللحظة الحالية وإنما هي حالة امتعاض ورفض ولدت مع أول انتخابات في العراق عام 2005، ثم أخذت تزداد مع كل دورة انتخابية نتيجة تراكم الفشل السياسي واستفحال الفساد وقوى السلاح التي راحت تبسط سيطرتها على كل مفاصل الدولة مستغلة الانتخابات لشرعنة سلطتها، فالمقاطعة تمثل فعل احتجاج دستوري يؤسس لحالة ضغط إصلاحية شاملة للنظام”.

لازمت الانتخابات العراقية فكرة مقاطعتها منذ عام 2005، على رغم وجود نسب مشاركة عالية في الانتخابات البرلمانية في بعض الدورات الانتخابية، إلا أن سلوك المقاطعة ظل مطروحاً كخيار من قبل الناخبين، مرة بفعل الشعور باليأس من التغيير وأخرى كعقاب انتخابي رافض للعملية السياسية برمتها.

بلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات برلمانية بعد الاحتلال الأميركي 58 في المئة وشهدت مقاطعة ستة ملايين ناخب ممن يحق لهم التصويت وكانت في عام 2005، أما انتخابات عام 2010 فقد كانت نسبة المشاركة فيها 62 في المئة، في حين بلغت 44 في المئة عام 2018، أما انتخابات 2021 التي جاءت بعد حراك تشرين فكانت نسبة المشاركة 43 في المئة وهي النسبة الأدنى بين الانتخابات البرلمانية.

مع تدني نسبة المشاركة في الانتخابات طرحت تساؤلات حول قانونية النتائج والتصديق عليها مع عزوف من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم والمشاركة باختيار المرشحين، لتأتي الإجابات من قانونيين أوضحوا أن قلة أوراق الاقتراع في صناديق الانتخاب لا تلغي شرعيتها، فالنتائج تعلن ويصادق عليها وإن كانت نسبة المشاركة قليلة، فليس في الدستور العراقي ولا في قانون انتخاب البرلمان ومجالس المحافظات رقم 12 لعام 2018 المعدل بقانون رقم 4 لعام 2023 أو التعليمات والأنظمة والقرارات الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عتبة للمشاركة في الانتخابات تمثل الحد الأدنى لاعتبار الانتخابات شرعية من عدمها، فمهما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ستعتمد وسيتشكل مجلس النواب وستنبثق منه السلطة التنفيذية.قانونيون يرون أن عدم تحديد الدستور وقانون الانتخاب الحد الأدنى للمشاركة في الانتخابات لكي تكون شرعية هو الأقرب إلى النهج الديمقراطي والأنظمة الديمقراطية الحديثة.أعلن زعيم التيار الصدري  مقتدى الصدر  في مارس مقاطعته الانتخابات (اندبندنت عربية)​​​​​​​المقاطعة العبثيةيوضح الأكاديمي والباحث في علم النفس الاجتماعي والسياسي حيدر الجوراني أن مقاطعة الانتخابات تكون عبثية في حال لجأ المعارضون إليها كآلية، ولذلك لن يحصلوا على شيء لتعود أحزاب السلطة من جديد لمقاعد البرلمان، مشيراً إلى أن المقاطعة كفعل ديمقراطي يفترض أن تكون منظمة، كأن ترتبط بمطلب مهم يشكل إحراجاً حقيقياً للسلطة السياسية، مردفاً “كلا التيارين؛ الخط الوطني والتيار الصدري لديهما مطالب نتج منها سلوك المقاطعة، فالتيار الصدري يربط المقاطعة بمطالب حصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفاسدين، وهذه المطالب وأن كانت خيالية لكنها تحتاج إلى استشراف سياسي”.الجوراني يرى أن سلوك المقاطعة يعكس مدى ثقة المواطن بالعملية السياسية والفعل السياسي وهي تختلف بحسب التوجهات السياسية “التيار الصدري يقول إنه لا يثق بالعملية السياسية، وأحزاب تشرين متشائمة وهذا التشاؤم يصب لمصلحة أحزاب السلطة، وعلية فإن سلوك المقاطعة بحاجة إلى وعي جماهيري يربط المقاطعة بمطالب مهمة”.مقبولية الانتخاباتقانونياً لن تتضرر شرعية الانتخابات حتى لو كانت المشاركة 1 في المئة فهي شرعية وقانونية طالما أنها التزمت التوقيتات والآليات المقررة قانونياً ودستورياً، هذا ما يشير إليه المدير التنفيذي لمركز البيان للدراسات والتخطيط، علي طاهر الحمود، لكنه يوضح أن “الدول الهشة مثل العراق تمثل مقبولية الانتخابات قضية مهمة من ناحية الشرعية، فالنظام السياسي إن لم يكن محاطاً بالناس ومعبراً عن صوتهم ومحمياً من قبلهم فإنه من الممكن أن يتعرض إلى أزمات متعددة”.يقول الحمود إن “المقاطعين أو من يدعون إلى المقاطعة ليس لديهم موقف موحد، فالأحزاب أو الكيانات التي تعرف نفسها بأنها معارضة بما فيها قوى تشرين والمستقلين والتيار الصدري ليس لديهم موقف موحد”، مردفاً “لا وجود لقائمة موحدة للمشاركة في الانتخابات، ولا برنامج موحد، ولا شعار موحد، ولا موقف موحد على مستوى المشاركة في الانتخابات من عدمه، وعليه لم تعد المقاطعة موقفاً سياسياً يعتد به”.لو كان هناك موقف موحد للمعارضة السياسية في فكرة المقاطعة حتى لو كانوا أقلية، 20 في المئة أو 25 في المئة، لتعرض النظام السياسي لاهتزاز شديد.

ويذهب الناشط في مجال المنظمات علي عباس إلى الرأي ذاته ويرى أن مقاطعة الانتخابات تمثل محاولة لسحب الشرعية من العملية السياسية لكنها لم تأت بفائدة لعدم تنظيم المقاطعة كحزب سياسي أو جماعة منظمة بقيادة وبرنامج موحد مستثنياً التيار الصدري إذ يراه “تياراً دينياً منظماً ويستغل المساجد للتوجيه للمقاطعة وغيرها من القضايا”.

في المقابل يرى الناشط السياسي سلام الحسيني أن قوى المقاطعة تسعى لتأسيس مشروع سياسي جامع يتركز على تفعيل الواجهات الدينية والمجتمعية كفواعل مشاركة للدعوة إلى بناء عقد سياسي اجتماعي يكون منطلقاً للإصلاح الشامل ولإعادة الروح للانتخابات بعد فقدان قيمتها الفعلية، مشيراً إلى أن “المقاطعين لا يقاطعون الانتخابات باعتبارها وسيلة ديمقراطية بل يسعون إلى حمايتها وتفعيل دورها الحقيقي لضمان تمثيلها إرادة الشعب لا الأحزاب”.يقول الحسيني إن “المقاطعة ليست وليدة اللحظة الحالية وإنما هي حالة امتعاض ورفض ولدت مع أول انتخابات في العراق عام 2005، ثم أخذت تزداد مع كل دورة انتخابية نتيجة تراكم الفشل السياسي واستفحال الفساد وقوى السلاح التي راحت تبسط سيطرتها على كل مفاصل الدولة مستغلة الانتخابات لشرعنة سلطتها، فالمقاطعة تمثل فعل احتجاج دستوري يؤسس لحالة ضغط إصلاحية شاملة للنظام، تسعى لإيصال رسالة اعتراض واضحة على النهج السياسي المعمول به الذي وصل لذروة الاحتقان عام 2021، بسبب الانقلاب السياسي لقوى الإطار التنسيقي على نتائج الصندوق الانتخابي، وبذلك صارت المقاطعة كوجه آخر للاحتجاج”.يأمل الحسيني في أن تؤسس المقاطعة مشروعاً مستقبلياً أشبه ما يكون بالعقد الاجتماعي لفرض اشتراطات جامعة ترضخ لها أحزاب السلطة.وفي السياق ذاته، يشير نائب رئيس تيار الخط الوطني حامد السيد إلى أن “المقاطعة لن تضر قانونياً بشرعية الانتخابات لكنها تكشف هشاشة قدرة الأحزاب في إقناع الشارع بجدوى أي انتخابات يفصل قانونها ويختار مفوضيتها على مقاسهم.السيد يوضح أن البديل المطروح هو “تطبيق عملي لقانون الأحزاب السياسية المصوت عليه 2015، واختيار مفوضية مستقلة، واختيار طرف ضامن لانتخابات من خارج المعادلة السياسية، وقانون انتخابي يوقف طريقة سانت ليغو المحورة لمصلحة قوى السلطة، مردفاً “مقاطعتنا هي أداة ضغط رمزية وسياسية لإظهار أن المشاركة لا معنى لها في ظل غياب تكافؤ الفرص أو العدالة الانتخابية”.ويضيف، “المقاطعة ليست مجرد احتجاج موقت، بل خيار استراتيجي يعكس موقفاً إصلاحياً أو تغييرياً، يسعى لبناء بدائل سياسية أو اجتماعية خارج الأطر القائمة. والبديل عن الانتخابات المقبلة هي انتخابات مشروطة بتطبيق قانون الأحزاب وترجمة منع الجماعات المسلحة والأطراف المدانة بالفساد واستغلال موارد الدولة فضلاً عن تشريع قانون انتخابي يضمن منافسة محلية للناخب عبر آلية الدوائر المتعددة والتصويت المباشر”.نتاج الإحباط السياسيعندما وجهت “اندبندنت عربية” السؤال لشرائح مختلفة من المجتمع حول جدوى الانتخابات دارت أغلب الإجابات حول أنهم لا يجدون جدوى فيها بعد فشل التجارب السابقة، وعدم الرضا عن الحكومة وعدم ثقة الموطن بالنائب الذي يكرس سنوات خدمته البرلمانية لحماية امتيازاته، وعليه فاختيار المقاطعة هو نتاج الإحباط والاحتجاج.إلهام سليم من البصرة تقول “ما الجدوى من انتخابات تعاد فيها الوجوه ذاتها ونفس نمط الحكم من محاصصة وطائفية وفساد، عزوف المواطنين عن الانتخابات يعود لإحباطهم من الوضع السيئ الذي يعيشون فيه يومياً”. أما إسماعيل الدراجي فيرى أن “المقاطعين هم من دون أي برنامج بديل، بل هم مقاطعون لسخطهم على إدارة العملية السياسية التي أفقدت المواطن الأمل، فالمقاطعة هي اعتراض لتعديل المسار السياسي ومحاسبة المفسدين كذلك هي ورقة تهديد للسلطة”.الصوت لن يغير شيئاًيوضح المحلل السياسي العباس الدوري أن مقاطعة الانتخابات في العراق تمثل في جوهرها موقفاً سياسياً مركباً أكثر من كونها وسيلة لإحراج السلطة فهي تعبر عن رفض للمنظومة السياسية، وهي شكلية لا تغير من واقع المحاصصة والوضع السياسي شيئاً، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار أن المقاطعة تحرج السلطة، إذ تظهر حجم الفجوة بين الشارع والنظام وتضع شرعية العملية الانتخابية أمام تساؤلات داخلية وخارجية، وتعبر عن إحباط سياسي بعد دورات انتخابية متكررة لم تفض إلى إصلاح حقيقي أو تحسين في الخدمات أو بناء مؤسسات رصينة، وهي رد فعل طبيعي على فشل النخب السياسية في تحقيق تطلعات الشعب.

ويذهب محمود الدباغ مسؤول العلاقات في حراك البيت العراقي إلى أبعد من ذلك ويرى أن كثيراً من العراقيين فقدوا الشعور بانتمائهم الحقيقي للوطن بعد تراكمات امتدت على مدى عقدين من الزمن، تميزت بتهميش الأصوات الحرة، والتجهيل المتعمد بالحقوق المدنية، ثم السياسية، واختزال العملية الديمقراطية في مجرد صندوق اقتراع، تحول بدوره إلى أداة بيد الأحزاب التقليدية.

لا بديل عن الانتخاباتبالعودة إلى المحلل السياسي العباس الدوري يشير إلى أن المقاطعين يطرحون بدائل تتفاوت بين إصلاح المنظومة الانتخابية جذرياً وبين تغيير قواعد اللعبة السياسية بالكامل ومن ضمن المطالب هي تشكيل حكومة انتقالية تشرف على انتخابات نزيهة بإشراف أممي وتعديل قانون الانتخابات، إعادة بناء النظام السياسي بحوار وطني شامل.أما المدير التنفيذي لمركز البيان للدراسات والتخطيط، علي طاهر الحمود، فيرى أنه لا بديل سوى المشاركة بالانتخابات والعمل من داخل النظام السياسي والعملية السياسية من أجل إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أما الخيارات والسيناريوهات الأخرى مثل الانقلاب العسكري والثورة فهي غير واقعية وفيها كلف باهظة بالدماء والمال ومن غير المنطق التفكير بها.مقاطعة الانتخابات فعل دعائييبقى الجدل قائماً بين الداعين إلى مقاطعة الانتخابات على اعتبار أنها لن تغير الواقع وأداة لتوطين الفساد، وآخرين يتمسكون بخيار الانتخابات وصندوق الاقتراع، وفئة ثالثة يقفون في المنطقة الرمادية مترددين بين المشاركة من عدمها. ومع انتشار لافتات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات رفعها مؤيدون للتيار الصدري وجه زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر بأن تكون المقاطعة بـ”القول اللين والأخلاق الحسنة وبالطاعة والابتعاد عن فتنة دعاة الفتنة”، مؤكداً أن المقاطعة لا تحتاج إلى الإعلانات والدعايات.

في هذا السياق، يوضح الأكاديمي والباحث في علم النفس الاجتماعي والسياسي حيدر الجوراني أن مقاطعة الانتخابات دخلت كجزء من سياق انتخابي دعائي، موضحاً أن الداعين إلى المقاطعة يحاولون التأثير في من هم في المنطقة الرمادية، المترددين في المشاركة، مردفاً “هذه الدعاية للمقاطعة ومثلها للحث على المشاركة ستعلب دوراً سيكولوجياً لغاية يوم الانتخاب للتأثير في من هم في المنطقة الرمادية لمصلحة المشاركة أم حسم قرارهم واتخاذ خيار المقاطعة”.

توطين الأحزاب والشخصيات الفاسدةيوضح الكاتب والصحافي فلاح المشعل أن المقاطعين يجدون في تكرار العملية السياسية وفق سياقاتها السائدة منذ خمس دورات مضت، تنتهي إلى توطين الأحزاب والشخصيات الفاسدة وفق منهج أو عرف المحاصصة، وبهذا تكون المشاركة تكريساً للفساد المتغول والمال السياسي الفاسد. الذي صار يتحكم بسياقات ومناخات العملية الديمقراطية.وفي السياق ذاته، يرى الصحافي محمد فاضل أن المقاطعين هم الفئة الأكبر من الشعب وجزء كبير منهم غير منتمٍ، مردفاً “هنالك عدم ثقة كبيرة في تطبيق البرامج التي يهتف بها ويعرضها السياسيون قبل الانتخابات، وأصبحوا الآن بلا برنامج، يحملون شعارات كتلهم فقط”.

لايوجد تعليق

Leave a Reply