بغداد / شبكة أخبار الانتخابات العراقية
كتب الأكاديمي والأستاذ في العلوم السياسية، مقالة، تحدث فيها عن جدوى إجراء الانتخابات، في الديمقراطيات الناشئة، مشيراً إلى الانعكاس السلبي للتأثير على قرار الناخب “ضعيف الوعي السياسي”، في تكوين النخب الحاكمة، من حيث الكفاءة والمؤهلات والإخلاص.
المقالة نشرتها الوكالة الرسمية، بعنوان (جدوى الانتخابات في الديمقراطيات الناشئة)
نص المقالة:
إن الانتخابات الديمقراطية لوحدها لا تبني دولة حقيقية، ولكن لا دولة حقيقية من دون انتخابات، والأخيرة لا يمكن أن تكون ديمقراطية حقيقية دون دولة مستقلة. والمعلوم أن الانتخابات تصنع النخب المطالبة بالعمل على وفق معيار تحقيق الخير العام في ممارستهم لإدارة الشأن العام وبكفاءة عالية. فهل صنعت الانتخابات العامة في العراق نخبًا من هذا النوع؟
في مجتمع يعيش تجربة ناشئة في الديمقراطية، يسهل التأثير على القرار الانتخابي للناخب ضعيف الوعي السياسي، وينعكس ذلك سلبًا على تكوين النخبة الحاكمة من حيث الكفاءة والمؤهلات والإخلاص في تحقيق الصالح العام. وإن القادة المنتخبين الذين يستحقون أن يكونوا من بين نخبة من رجال الدولة يجب أن يتصفوا بالعديد من معايير الكفاءة والمؤهلات، ومن بين أهمها أن يكونوا قادرين على قيادة الدولة والمجتمع، ولهم الشغف بمعالجة القضايا التي تخدم الصالح العام، وأن يقدموا مشاريع لتحقيق ذلك الهدف، وأصحاب قدرة في إدارة الأزمات. وبذلك فإن الانضمام إلى دائرة رجال الدولة يجب أن لا يكون مفتوحًا أمام كل شخص، لأن مهمة رجل الدولة ليست وظيفة روتينية، ولأن رجل الدولة يختلف عن القادة الممثلين من رجال السياسة الذين يضعون كل طاقاتهم في سبيل تحقيق الفوز في الانتخابات. وإن الصفات التي يفوز بها القائد التمثيلي ليست بالضرورة من صفات رجال الدولة، وخصوصاً أن الانتخابات قد تكون فرصة للأشخاص الديماغوجيين للفوز بالمنصب في الديمقراطيات الناشئة، وقد يكون صعبًا على الناخبين التمييز بين من يصلح لأن يكون من بين رجال الدولة من رجال السياسة العاديين والديماغوجيين، خصوصًا في الديمقراطيات الناشئة، حيث تلعب العلاقات الزبائنية والتسييس العشائري والطائفي والقومي المتعصب دورًا في التأثير على سلوك الناخبين، وأن المرشح الفائز غالبًا ما يعتمد طريق خداع الناخبين واستخدام وسائل الدعاية غير المشروعة ضمن انتخابات غير حرة وغير نزيهة، الأمر الذي ينتج نخبة سياسية حاكمة غير نزيهة وغير صالحة في تحقيق الخير العام. وعندما تعتمد النخبة السياسية الحاكمة المنتخبة في ممارستها للسلطة على شرعية الانتخاب دون شرعية الإنجاز، لا تحتاج القوى السياسية إلى تقديم المرشحين الأكثر كفاءة وتأهيلا في التمثيل السياسي، وخصوصًا عندما تضمن النخبة السياسية الحاكمة نتائج الانتخابات لصالحها بوسائل مشروعة وغير مشروعة.
إن عملية التحول الديمقراطي في العراق هي نتاج لتدخل عامل خارجي وليس نتاج التطور والتنمية السياسية بشكلها الطبيعي، لذلك فالعملية ما زالت تعاني العديد من مواطن الضعف. فقد بدأت التجارب الانتخابية النيابية بنظام التمثيل النسبي، والذي شجع على تزايد عدد الأحزاب السياسية وتشتت الأصوات والمواقف، مما انعكس سلباً على تكوين مجلس النواب من حيث زيادة الانقسام والتوتر والنزاع بين الكتل النيابية وصعوبة اتخاذ القرار، كما أثر سلبًا على أداء البرلمان. وجرى العمل بنظام القائمة المغلقة في دورتين انتخابيتين، مما ساعد على زيادة انغلاق النخب السياسية الحاكمة والحفاظ على بقاء الأحزاب المتنفذة التقليدية في السلطة، وحرم الناخبين من حق المفاضلة بين مرشحي القائمة لانتخاب الأكفأ.
كما لاحظنا ازدياداً تدريجيًا لنسبة العزوف عن الانتخابات في كل دورة انتخابية، وهذا العزوف يؤشر أحد أسباب عدم رضا المحكومين عن أداء الحكام، كما يشكل ذلك أيضًا رد فعل الناخبين تجاه تفشي حالة الفساد وفقدان ثقتهم بنزاهة الانتخابات واستيائهم من عدم قدرة التجارب الانتخابية في إحداث تغيير جوهري في تكوين مجلس النواب والاتجاهات السائدة فيه ونهجهم السياسي في ممارسة السلطة وتشكيل مؤسسات الحكم.
ونتيجة العمل بنظام التمثيل النسبي والالتزام بنظام المحاصصة والتوافقات السياسية العابرة للسياقات الدستورية، فلم تشهد المنافسة الانتخابية التنافس بين النخب السياسية المعارضة والحاكمة من أجل المصالح الوطنية، بسبب غياب دور معارضة برلمانية نشطة، الأمر الذي ساعد النخب السياسية المتنفذة في تصميم النظام الانتخابي أو تعديله على مقاييسهم في كل دورة انتخابية، وبذلك جعلوا من الانتخابات آلية لبقائهم في السلطة بدلًا من أن تكون آلية للتداول السلمي للسلطة بين النخب السياسية الحاكمة والمعارضة.
وقد أنتجت التجارب الانتخابية النيابية في العراق نخبة برلمانية مقيدة بولائها الفرعي الضيق، وأن سياسة الترشيح عززت ذلك عندما قامت على أساس الانتماءات العشائرية والقبلية من قبل الأحزاب السياسية، الأمر الذي أدى إلى إدخال عقليات عشائرية وطائفية دينية وقومية متعصبة في المؤسسة الديمقراطية، التي يفترض أن تقوم على الحوار والتسامح الفكري والسياسي بين أعضائها والتي تتطلب ثقافة سياسية وقانونية رفيعة.
والمعروف أن غلبة الانتماءات الفرعية على الانتماء الوطني في سلوك الترشيح والتصويت يقلل من دور الانتخابات في تكوين نخبة سياسية حاكمة كفوءة ومؤهلة ومخلصة في تحقيق الخير العام.
لايوجد تعليق